وقال له كُثَيِّر: ذاك إنما وصَفَه بالخُرْق، وأنا وصَفْتُك بالْحَزْم (٢).
قال عبد الملك لكُثَيِّر: سَلْ حوائجَك. فقال: تُزوِّجُني عَزَّة. فأرسل إليها، فقالت: أبَعْدَ ما شبَّبَ بي وفضحني في العرب، لا كان ذلك أبدًا. وماتَتْ قبلَه (٣).
قيل لكُثَيِّر: ما بقيَ من شعرك؟ قال: ماتَت عَزَّة فما أطرب، وذهبَ الشبابُ فما أعجب، وماتُ ابن ليلى فما أرغب، وإنما ينشأ الشعر من هذه الخِلال (٤).
وأراد بابن ليلى عبد العزيز بن مروان، وقيل: بشر.
ذكر طرف من أخبارهما:
كان أولُ عشقه لها أنَّه مرَّ بنسوة من بني ضمْرَة ومعه غنم، فأرسَلْنَ إليه عَزَّة وهي صغيرة، فقالت: يَقُلْن لك النِّسوة: بعنا كبشًا نسيئةً إلى حين تعود. فأعجبَتْهُ، فأعطاها كبشًا، فلما عاد جاءت امرأة منهن إليه بدراهمه، فقال: أين الصَّبِيَّة التي أخذَت الكبش مني؟ قالت: ما تصنعُ بها؟ هذه دراهمُك. فقال: لا والله، لا آخذُ الدراهم إلا ممَّن دفعتُ إليها الكبش. ولم يأخذ شيئًا، وقال:
قضى كلُّ ذي دَيْنٍ فَوَفَّى غريمَهُ … وعَزَّةُ ممطولٌ مُعَنًّى غريمُها
نظرتُ إليها نظرةً ما يُسرُّني … بها حُمْرُ أنعامِ البلادِ وسُودُها (٥)
وقال الزُّبير بن بكَّار: خرج كُثَيِّر يلتمس عَزَّة ومعه شَنٌّ (٦) فيه ماءٌ، فضربه الحَرُّ، فيَبِس، فلاحَ له كوخٌ، فقصَدَه، فإذا فيه عجوزٌ، فقالت: مَنْ أنت؟ فقال: كُثَيِّر. قالت:
(١) الجُنَّة: الدِّرْع. (٢) تاريخ دمشق ٥٩/ ٢٩٩ - ٣٠٠ (طبعة مجمع دمشق). (٣) بنحوه في "المنتظم" ٧/ ١٠٤. (٤) عيون الأخبار ٢/ ١٨٥، وتاريخ دمشق ٥٩/ ٣٢٥. وبنحوه في العقد الفريد ٥/ ٣٢٦. (٥) الأغاني ٩/ ٢٥ - ٢٦، والمنتظم ٧/ ١٠٥ - ١٠٦. (٦) الشَّنُّ: القِرْبَة الخَلَقُ الصغيرة يكون فيها الماء أبردَ من غيرها. ووقع في "تاريخ دمشق" ٥٩/ ٣١٦ و"المنتظم" ٧/ ١٠٦: شُنَيْنة (تصغير شَنَّة، وهما بمعنى).