الحديبية «١» أن يكتبوا (بسم الله الرحمن الرحيم) وقالوا: ما ندري ما الرحمن الرحيم؟ كما في الصحيح. وقد قال تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: ١١٠] .
وفي (صحيح مسلم) عن ابن عمر مرفوعا: (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)«٢» .
قُلْ هُوَ أي: الرحمن الذي كفرتم به وأنكرتم معرفته رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ أي: توبتي وإنابتي. فإنه لا يستحق ذلك غيره. ثم أشار تعالى إلى عظمة هذا الوحي وتفضيله على ما سواه بقوله:
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً أي قرآنا مّا سُيِّرَتْ بِهِ أي: بإنزاله أو بتلاوته الْجِبالُ أي أذهبت عن مقارّها، وزعزعت عن أماكنها أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أي: شققت حتى تتصدع وتصير قطعا أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى أي خوطبت بعد أن أحييت بتلاوته عليها، والجواب محذوف أي: لكان هذا القرآن لكونه غاية في الهداية والتذكير، ونهاية في الإنذار والتخويف. وعلى هذا التقدير، فالقصد بيان عظم شأن القرآن وفساد رأي الكفرة حيث لم يقدروا قدره العليّ ولم يعدوه من قبيل الآيات. فاقترحوا غيره مما أوتي موسى وعيسى عليهما السلام. وقدر الزجاج الجواب (لما آمنوا به) كقوله: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى ... [الأنعام: ١١١] الآية، وعليه فالقصد بيان غلوهم في المكابرة والعناد وتماديهم في الضلال والفساد.
ونقل عن الفراء أن الجواب مقدم عليه وهو قوله: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ وما بينهما اعتراض وفيه بعد وتكلف. وأشار بعضهم إلى أن مراده أنها دليل الجواب
(١) أخرجه البخاريّ في: الشروط، ١٥- باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، حديث رقم ٨٨١ و ٨٨٢ عن المسور بن مخرمة ومروان، وهو حديث طويل جامع، فلا يفتك الاطلاع عليه. ففيه غنم كبير. (٢) أخرجه مسلم في: الآداب، حديث رقم ٢.