وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ أي بينا فيه الاعتقادات والأحكام والأمور الأخروية تفصيلا مبيّنا عَلى عِلْمٍ أي عالمين كيف نفصل أحكامه ومواعظه وقصصه وسائر معانيه، حتى جاء محكما قيّما غير ذي عوج، وهذا كقوله تعالى:
أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء: ١٦٦] . هُدىً أي دلالة ترشدهم إلى الحق، وتنجيهم من الضلالة وَرَحْمَةً أي ينجيهم من العذاب لما فيه من الدلائل ورفع الشبه لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لأنهم المغتنمون لفوائده.
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ أي ما ينتظرون إلا ما يؤول إليه أمره، من تبيّن صدقه، بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد. قال الشهاب:(فالنظر) هنا بمعنى (الانتظار) لا بمعنى الرؤية. والتأويل بمعنى العاقبة، وما يقع في الخارج، وهو أصل معناه، ويطلق على التفسير أيضا. والمعنى: أنهم قبل وقوع ما هو محقق، كالمنتظرين له، لأن كل آت قريب، فهم على شرف ملاقاة ما وعدوا به. فلا يقال: كيف ينتظرونه مع
الثالث فيقول له مثل ذلك. فيقول: يا ربّ! آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت. ويثني بخير ما استطاع. فيقول: هاهنا إذا. قال ثم يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر من نفسه. وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه» .