البشارة بالإنذار. وهذا معنى تسمية القرآن مثاني- على الأصح- وهو أن يذكر الإيمان ويتبع بذكر الكفر- أو عكسه- أو حال السعداء ثم الأشقياء- أو عكسه- وحاصله ذكر الشيء ومقابله. والحكمة في ذلك: هي إرادة التنشيط لاكتساب ما يزلف، والتثبيط عن اقتراف ما يتلف. فلما ذكر الكفار وأعمالهم، وأوعدهم بالعقاب، قفّاه ببشارة عباده الذين جمعوا بين التصديق والأعمال الصالحة من فعل الطاعات وترك المعاصي- فقال عز وجلّ:
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (البشارة) : الإخبار بما يظهر سرور المخبر به. ومنه البشرة: لظاهر الجلد. وتباشير الصبح ما ظهر من أوائل ضوئه. وأمّا فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ فمن العكس في الكلام الذي يقصد به الاستهزاء- الزائد في غيظ المستهزأ به، وتألّمه، واغتمامه- ففيه استعارة أحد الضدّين للآخر تهكّما وسخرية. والصَّالِحاتِ ما استقام من الأعمال أي صلح لترتب الثواب عليه.
وقد أجمع السلف على أنّ الإيمان: قول وعمل، يزيد وينقص. ثم إنه إذا أطلق دخلت فيه الأعمال،
لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:«الإيمان بضع وستون شعبة- أو بضع وسبعون شعبة- أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»«١» .
وإذا عطف عليه- كما في هذه الآية- فهنا، قد يقال: الأعمال دخلت فيه، وعطفت عطف الخاص على العام. وقد يقال: لم تدخل فيه، ولكن مع العطف- كما في اسم الفقير والمسكين. إذا أفرد أحدهما تناول الآخر، وإذا عطف أحدهما
(١) أخرجه ابن ماجة في: المقدمة، باب في الإيمان، حديث ٥٧ ونصه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الإيمان بضع وستون أو سبعون بابا. أدناها إماطة الأذى عن الطريق. وأرفعها قول: لا إله إلا الله. والحياء شعبة من الإيمان» .