نفسها معصية مستتبعة للمؤاخذة وقد عفا عنها. وفيه من حثّهم على الجدّ في الانتهاء عنها ما لا يخفى وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ اعتراض تذييليّ مقرّر لعفوه تعالى، أي: مبالغ في مغفرة الذنوب. ولذا عفا عنكم ولم يؤاخذكم بما فرط منكم.
قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ أي: سألوا هذه المسألة، لكن لا عينها، بل مثلها في كونها محظورة ومستتبعة للوبال. وعدم التصريح بالمثل للمبالغة في التحذير ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ أي: بسببها. حيث لم يمتثلوا ما أجيبوا به، ويفعلوه. وقد كان بنو إسرائيل يستفتون أنبياءهم عن أشياء، فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا.
والمعنى: احذروا مشابهتهم والتعرّض لما تعرّضوا له.
[تنبيهات:]
الأول:
روى البخاريّ «١» في سبب نزولها في (التفسير) عن أبي الجويرية عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء. فيقول الرجل: من أبي؟
ويقول الرجل، تضلّ ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا ... حتى فرغ من الآية كلها.
وأخرج «٢» أيضا عن موسى بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ... قال: فغطّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم، لهم خنين. فقال رجل: من أبي؟ قال: فلان، فنزلت هذه الآية: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
وروى البخاريّ «٣» أيضا في كتاب (الفتن) عن قتادة: أنّ أنسا حدثهم قال:
سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة. فصعد النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم المنبر فقال: لا
(١) أخرجه البخاري في: التفسير، ٥- سورة المائدة، ١٢- باب قوله تعالى: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، حديث ٢٠٠١. (٢) أخرجه البخاري في: التفسير، ٥- سورة المائدة، ١٢- باب قوله تعالى: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، حديث ٨٠. (٣) أخرجه البخاري في: الفتن، ١٥- باب التعوّذ من الفتن، حديث ٨٠.