قُلْتُ: وَتَرْجَمَ فِيهِ أَبْوَابًا مِنْهَا: «بَابُ الزَّكَاةِ وَأَلَّا يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ». وَأَدْخَلَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ فريضة الصدقة، وطلحة بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ. الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ:" أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ" أَوْ" دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ حِقَّتَانِ، فَإِنْ أَهْلَكَهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ وَهَبَهَا أَوِ احْتَالَ فِيهَا فرارا من الزكاة فلا شي عَلَيْهِ، ثُمَّ أَرْدَفَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ وَيَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ" الْحَدِيثَ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: إِنَّمَا قَصَدَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يُعَرِّفَكَ أَنَّ كُلَّ حِيلَةٍ يَتَحَيَّلُ بِهَا أَحَدٌ فِي إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ إِثْمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَنَعَ مِنْ جَمْعِ الْغَنَمِ وَتَفْرِيقِهَا خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ فُهِمَ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ:" أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ" أَنَّ مَنْ رَامَ أَنْ يَنْقُضَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ بِحِيلَةٍ يَحْتَالُهَا أَنَّهُ لَا يُفْلِحُ، وَلَا يَقُومُ بِذَلِكَ عُذْرُهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا أَجَازَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ تَصَرُّفِ صَاحِبِ الْمَالِ فِي مَالِهِ قُرْبَ حُلُولِ الْحَوْلِ إِنَّمَا هُوَ مَا لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْهَرَبَ مِنَ الزَّكَاةِ، وَمَنْ نَوَى ذَلِكَ فَالْإِثْمُ، عَنْهُ غَيْرُ سَاقِطٍ، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَهُوَ كَمَنْ فَرَّ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِيَوْمٍ، وَاسْتَعْمَلَ سَفَرًا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ رَغْبَةً عَنْ فَرْضِ اللَّهِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَالْوَعِيدُ مُتَوَجِّهٌ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى عُقُوبَةَ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَيِ وَجْهٍ مُتَعَمِّدًا «١» كَيْفَ تَطَؤُهُ الْإِبِلُ، وَيُمَثَّلُ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ!؟ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ لَا يَحِلُّ، وَهُوَ مُطَالَبٌ بِذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ. الثَّالِثَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ". دَلِيلٌ عَلَى وَجْهِ الْحِيلَةِ إِلَى الْمُبَاحِ، وَاسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ، وهذا وهم عظيم، وقوله تعالى:" وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ" قِيلَ فِيهِ: كَمَا مَكَّنَّا لِيُوسُفَ مُلْكَ نَفْسِهِ عَنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ مَكَّنَّا لَهُ مُلْكَ الْأَرْضِ عَنِ الْعَزِيزِ، أَوْ مِثْلَهُ مِمَّا لَا يُشْبِهُ مَا ذَكَرَهُ. قَالَ الشَّفْعَوِيُّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ" «٢» [ص: ٤٤] وهذا ليس
(١). في ع وى: بأى وجه منعها.(٢). راجع ج ١٥ ص ٢١٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute