مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ. (فَأَدْلى دَلْوَهُ) أَيْ أَرْسَلَهُ، يُقَالُ: أَدْلَى دَلْوَهُ إِذَا أَرْسَلَهَا لِيَمْلَأَهَا، وَدَلَاهَا أَيْ أَخْرَجَهَا: عَنِ الْأَصْمَعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَدَلَا- مِنْ ذات الواويدلو دَلْوًا، أَيْ جَذَبَ وَأَخْرَجَ، وَكَذَلِكَ أَدْلَى إِذَا أَرْسَلَ، فَلَمَّا ثَقُلَ رَدُّوهُ إِلَى الْيَاءِ، لِأَنَّهَا أخف من الواو، قاله الْكُوفِيُّونَ. وَقَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ: لَمَّا جَاوَزَ ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ رَجَعَ «١» إِلَى الْيَاءِ، اتِّبَاعًا لِلْمُسْتَقْبَلِ. وَجَمْعُ دَلْوٍ فِي أَقَلَّ الْعَدَدِ أَدْلٍ فَإِذَا كَثُرَتْ قُلْتُ: دُلِيٌّ وَدِلِيٌّ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً، إِلَّا أَنَّ الْجَمْعَ بَابُهُ التَّغْيِيرُ، وَلْيُفَرَّقْ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، وَدِلَاءٌ أَيْضًا. فَتَعَلَّقَ يُوسُفُ بِالْحَبْلِ، فَلَمَّا خَرَجَ إِذَا غُلَامٌ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَحْسَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الْغِلْمَانِ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ:" فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ". وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: كَانَ يُوسُفُ حَسَنَ الْوَجْهِ، جَعْدَ الشَّعْرِ، ضَخْمَ الْعَيْنَيْنِ، مُسْتَوِيَ الْخَلْقِ، أَبْيَضَ اللَّوْنِ، غَلِيظَ السَّاعِدَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ، خَمِيصَ الْبَطْنِ، صَغِيرَ السُّرَّةِ، إِذَا ابْتَسَمَ رَأَيْتَ النُّورَ مِنْ ضَوَاحِكِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ رَأَيْتَ فِي كَلَامِهِ شُعَاعَ الشَّمْسِ مِنْ ثَنَايَاهُ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ وَصْفَهُ، وَكَانَ حُسْنُهُ كَضَوْءِ النَّهَارِ عِنْدَ اللَّيْلِ، وَكَانَ يُشْبِهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ خَلَقَهُ اللَّهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ الْمَعْصِيَةَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ وَرِثَ ذَلِكَ الْجَمَالَ مِنْ جَدَّتِهِ سَارَةَ، وَكَانَتْ قَدْ أُعْطِيَتْ سُدُسَ الْحُسْنِ، فَلَمَّا رَآهُ مَالِكُ بْنُ دُعْرٍ قال:" يا بُشْرى هذا غُلامٌ" وهذه قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ، إِلَّا ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ قَرَأَ" يَا بُشْرى هَذَا غُلامٌ" فَقَلَبَ الْأَلِفَ يَاءً، لِأَنَّ هَذِهِ الْيَاءَ يُكْسَرُ مَا قَبْلَهَا، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ كَسْرَ الْأَلِفِ كَانَ قَلْبُهَا عِوَضًا. وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ" يَا بُشْرى " غَيْرَ مُضَافٍ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا- اسْمُ الْغُلَامِ، وَالثَّانِي-[مَعْنَاهُ «٢»] يَا أَيَّتُهَا الْبُشْرَى هَذَا حِينُكِ وَأَوَانُكِ. قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: لَمَّا أَدْلَى الْمُدْلِي دَلْوَهُ تَعَلَّقَ بِهَا يُوسُفُ فَقَالَ: يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ، قَالَ قَتَادَةُ: بَشَّرَ أَصْحَابَهُ بِأَنَّهُ وَجَدَ عَبْدًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَادَى رَجُلًا اسْمُهُ بُشْرَى. قَالَ النَّحَّاسُ: قَوْلُ قَتَادَةَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَةُ أَحَدٍ إِلَّا يَسِيرًا، وَإِنَّمَا يَأْتِي بِالْكِنَايَةِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ" «٣» [الفرقان: ٢٧] وهو عقبة بن أبي معيط، وبعده" لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا" [الفرقان: ٢٨] وهو أمية
(١). في ع: ردوه.(٢). من ع. [ ..... ](٣). راجع ج ١٣ ص ٢٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute