الْأُولَى- بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ صَلَاةَ الْمُنَافِقِينَ، وَبَيَّنَهَا رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ صَلَّى كَصَلَاتِهِمْ وَذَكَرَ كَذِكْرِهِمْ لَحِقَ بِهِمْ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ، وَخَرَجَ مِنْ مُقْتَضَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ «١»). وَسَيَأْتِي. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْفَرْضِ «٢» حَسَبَ مَا عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ رَآهُ أَخَلَّ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثم استقبل القبلة فكبر ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا (. رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ (. وَقَالَ:) لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ. الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، يَرَوْنَ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ). قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ. وَهِيَ رِوَايَةٌ عِرَاقِيَّةٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهَا. وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ «٣») هَذَا الْمَعْنَى. الثَّانِيةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لِيَرَاهَا النَّاسُ وَيَرَوْنَهُ فِيهَا فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِالْإِيمَانِ، أَوْ أَرَادَ طَلَبَ الْمَنْزِلَةِ وَالظُّهُورَ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَجَوَازِ الْإِمَامَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالرِّيَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ، وَإِنَّمَا الرِّيَاءُ الْمَعْصِيَةُ أَنْ يُظْهِرَهَا صَيْدًا لِلنَّاسِ وَطَرِيقًا إِلَى الْأَكْلِ، فَهَذِهِ نِيَّةٌ لَا تُجْزِئُ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.
(١). راجع ج ١٢ ص ١٠.(٢). من ج وط وى. وفي أوح وز: الحسن.(٣). راجع ج ١ ص ١٧٠، وص ١٠٣ - ٤ ج ١٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute