فَلْيَنْتَهِزْهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ عَنْهُ (. وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:) لِكُلِّ شي ثَمَرَةٌ وَثَمَرَةُ الْمَعْرُوفِ السَّرَاحُ «١» (. وَقِيلَ لِأَنُوشِرْوَانَ: مَا أَعْظَمُ الْمَصَائِبَ عِنْدَكُمْ؟ قَالَ: أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الْمَعْرُوفِ فَلَا تَصْطَنِعَهُ حَتَّى يَفُوتَ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: مَنْ أَخَّرَ الْفُرْصَةَ عَنْ وَقْتِهَا فَلْيَكُنْ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَوْتِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا ... فَإِنَّ لِكُلِّ خَافِقَةٍ سُكُونُ
وَلَا تَغْفُلْ عَنِ الْإِحْسَانِ فِيهَا ... فَمَا تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُونُ
وَكَتَبَ بَعْضُ ذَوِي الْحُرُمَاتِ إِلَى وَالٍ قَصَّرَ فِي رِعَايَةِ حُرْمَتِهِ:
أَعَلَى الصِّرَاطِ تُرِيدُ رَعِيَّةَ حُرْمَتِي ... أَمْ فِي الْحِسَابِ تَمَنَّ بِالْإِنْعَامِ
لِلنَّفْعِ فِي الدُّنْيَا أُرِيدُكَ، فَانْتَبِهْ ... لِحَوَائِجِي مِنْ رَقْدَةِ النُّوَّامِ
وَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَتِمُّ الْمَعْرُوفُ إِلَّا بِثَلَاثِ خِصَالٍ: تَعْجِيلُهُ وَتَصْغِيرُهُ وَسَتْرُهُ، فَإِذَا عَجَّلْتَهُ هَنَّأْتَهُ، وَإِذَا صَغَّرْتَهُ عَظَّمْتَهُ، وَإِذَا سَتَرْتَهُ أَتْمَمْتَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
زَادَ مَعْرُوفُكَ عِنْدِي عِظَمًا ... أنه عندك مستور حقير
تتناساه كأن لم تَأْتِهِ ... وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ مَشْهُورٌ خَطِيرُ
وَمِنْ شَرْطِ الْمَعْرُوفِ تَرْكُ الِامْتِنَانِ بِهِ، وَتَرْكُ الْإِعْجَابِ بِفِعْلِهِ، لِمَا فِيهِمَا مِنْ إِسْقَاطِ الشُّكْرِ وَإِحْبَاطِ الْأَجْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ «٢») بَيَانُهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) عَامٌّ فِي الدماء والأموال والأعراض، وفي كل شي يَقَعُ التَّدَاعِي وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي كُلِّ كَلَامٍ يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْخَبَرِ: (كَلَامُ ابْنِ آدَمَ كُلُّهُ عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى (. فَأَمَّا مَنْ طَلَبَ الرِّيَاءَ وَالتَّرَؤُّسَ فَلَا يَنَالُ الثَّوَابَ. وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رُدَّ الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا، فَإِنَّ [فَصْلَ «٣»] الْقَضَاءِ يُورِثُ بَيْنَهُمُ الضَّغَائِنَ. وَسَيَأْتِي فِي الْمُجَادَلَةِ «٤» (مَا يَحْرُمُ مِنَ الْمُنَاجَاةِ وَمَا يَجُوزُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وعن أنس بن مالك
(١). السراح: التعجيل.(٢). راجع ج ٣ ص ٣١١.(٣). من ج، ط، ى، ز.(٤). راجع ج ١٧ ص ٢٩٤ فما بعد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute