لَهُمْ بِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي قُصُورٍ مُحَصَّنَةٍ. وَقَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالْجُمْهُورُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَامِرِ ابن الطُّفَيْلِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ؟ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْبُرُوجُ الْقُصُورُ. ابْنُ عَبَّاسٍ: الْبُرُوجُ الْحُصُونُ وَالْآطَامُ وَالْقِلَاعُ. وَمَعْنَى (مُشَيَّدَةٍ) مُطَوَّلَةٌ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَالْقُتَبِيُّ. عِكْرِمَةُ: الْمُزَيَّنَةُ «١» بِالشِّيدِ وَهُوَ الْجِصُّ. قَالَ قَتَادَةُ: مُحَصَّنَةٌ. وَالْمَشِيدُ وَالْمُشَيَّدُ سَوَاءٌ، وَمِنْهُ (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ «٢») وَالتَّشْدِيدُ لِلتَّكْثِيرِ. وَقِيلَ: الْمُشَيَّدُ الْمُطَوَّلُ، وَالْمَشِيدُ الْمَطْلِيُّ بِالشِّيدِ. يُقَالُ: شَادَ الْبُنْيَانَ وَأَشَادَ بِذِكْرِهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمُرَادُ بِالْبُرُوجِ بُرُوجٌ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَبْنِيَّةٌ. وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ مَكِّيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَنَّهُ قَالَ: أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ «٣») وَ (جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً «٤») (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً «٥»). وَحَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَحَكَى النَّقَّاشُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: (فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) مَعْنَاهُ فِي قُصُورٍ مِنْ حَدِيدٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا لَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. الثَّانِيةُ- هَذِهِ الْآيَةُ تَرُدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ فِي الْآجَالِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) فَعَرَّفَهُمْ بِذَلِكَ أَنَّ الْآجَالَ مَتَى انْقَضَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ الْجَسَدَ، كَانَ ذَلِكَ بِقَتْلٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِزُهُوقِهَا بِهِ. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّ الْمَقْتُولَ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ الْقَاتِلُ لَعَاشَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي (آلِ عِمْرَانَ «٦») وَيَأْتِي، فَوَافَقُوا بِقَوْلِهِمْ هَذَا الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ. الثالثة- اتخاذ البلاد وبنائها لِيُمْتَنَعَ بِهَا فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ، وَهِيَ سُنَّةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ. وَفِي ذَلِكَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: التَّوَكُّلُ تَرْكُ الْأَسْبَابِ، فَإِنَّ اتِّخَاذَ الْبِلَادِ مِنْ أَكْبَرِ الْأَسْبَابِ وَأَعْظَمِهَا وَقَدْ أُمِرْنَا بِهَا، وَاتَّخَذَهَا الْأَنْبِيَاءُ وَحَفَرُوا حَوْلَهَا الْخَنَادِقَ عُدَّةً وَزِيَادَةً فِي التَّمَنُّعِ. وَقَدْ قِيلَ لِلْأَحْنَفِ: مَا حِكْمَةُ السُّورِ؟ فَقَالَ: ليردع السفيه حتى يأتي الحكيم «٧» فيحميه.
(١). في ج: المبنية.(٢). راجع ج ١٢ ص ٧٤.(٣). راجع ج ١٩ ص ٢٨١.(٤). راجع ج ١٣ ص ٦٥.(٥). راجع ج ١٠ ص ٦(٦). راجع ج ٤ ص ٢٢٦.(٧). في ج وز وط: الحليم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute