رؤيتها، وهو أبلغ من نفي الرؤية، فإنه قد ينتفي وقوع الشيء ولا تنتفي مقاربته، فكأنه قال: لم يقارب رؤيتها بوجه.
قال هؤلاء: وكاد من أفعال المقاربة، لها حكم سائر الأفعال في النفي والإثبات، فإذا قيل: كاد يفعل، فهو إثبات لمقاربة الفعل، فإذا (١) قيل: لم يكد يفعل، فهو نفي لمقاربة الفعل.
وقالت طائفة أخرى: بل هذا دالٌّ على أنه إنما يراها بعد جُهد شديد، وفي ذلك إثبات رؤيتها بعد أعظم العُسر؛ لأجل تلك الظلمات، قالوا: لأن كاد لها شأن (٢) ليس لغيرها من الأفعال: فإنها إذا أثبتت نفت، وإذا نفت أثبتت، فإذا قلت: ما كدت أصِلُ إليك، فمعناه: وصلتُ إليك بعد الجهد والشدة. فهذا إثبات للوصول، وإذا قلت: كاد زيد يقوم، فهي نفي لقيامه (٣)، كما قال تعالى:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}[الجن/١٩] ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ... } الآية [القلم/٥١].
وأنشد بعضهم في ذلك ملغِزًا:
أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة (٤) ... جرت في لسانَيْ جرهم وثمود
(١) كذا في جميع النسخ، والأولى: "وإذا". (٢) من (ب، ظ)، ووقع في (ت، ع): "مبانٍ". (٣) قوله: "فهو نفي لقيامه" في (ظ): "فهو نفي لنفي قيامه". (٤) في (ع): "كلمة".