الوجود الخارجي كانت بمعنى "بعد" أي: أَنَّ النَّصر بعد الصَّبر، والفرج بعد الكرب، ويجوز بقاؤها على بابِها، والمعنى: حصوله آخر أوقات الصبر (١).
الثاني عَشَر (٢): قوله: "وأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا" هو نَصُّ القرآن العظيم، والكلام في المعيَّة كما سلف.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "لن يَغْلِب عُسرٌ يُسْرَيْن"(٣).
ورُوي مرفوعًا في رسالتهِ إلى أبي عُبيدةَ - رضي الله عنه -، وهو في "الموطأ" عن عمر (٤).
يُشيرُ إلى تنكير اليُسْر وتعريف العُسْر، والمُنكَّر مُتَعَدِّد، والمُعَرَّف مُتَّحِدٌ بناءً على أنَّ اللام فيه للعَهْدِ السَّالف، نحو قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: ١٥، ١٦]. وأبعَدَ مَن قال: الأول في الدنيا، والثاني في الآخرة.
وقوله تعالى:{وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥] المراد في الأحكام، فلا تضاد مع الآية المذكورة، إذِ المُرادُ فيها العسرُ في الأرزاق والمكاسب، قال تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثْتُ بالحَنيفيَّةِ السَّمحة"(٥).
(١) بمعنى: أنَّ آخِر أوقات الصبر هو أوَّلُ أوقات النَّصر. انظر: "التَّعيين" (١٦٤ - ١٦٥). (٢) في الأصل: "الحادي عشر"! (٣) رواه الفراء في "معاني القرآن" (٣/ ٢٧٥)، وذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (٢٢/ ٣٥٨). ومعناه: أن العُسر معرَّف في الحالَيْن، فهو مفرد، واليُسْر منكَّر فتعدد. (٤) رواه مالك في "الموطأ" (١/ ٥٧٤ رقم ١٢٨٨)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (١٨/ ٣١٧ رقم ٣٤٥٣٢)، والطبري في تفسيره (٧/ ٥٠٣ رقم ٨٣٩٣)، والحاكم (٢/ ٣٠٠ - ٣٠١). (٥) تقدَّم تخريجه ص (٤٨).