ورواه مالكٌ في "الموطأ"(١) عن الزُّهري مُرْسَلًا، وذَكَرَ ابنُ عبد البَر أن للزهري فيه إسنادين: مُرْسَلٌ -كما رواه مالكٌ-، ومُتَّصِلٌ عنه عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُريرةَ، ثم طرَّقَهُ وصحَّحَهُ (٢).
ثانِيها: هذا الحديثُ أصْلٌ مِنْ أُصُولِ الإسلام. قال أبو داود:"أصولُ السُّنن في كلِّ فنٍّ أربعة"- فَذَكَرَ الحديث الأول من هذه الأحاديث، والسادس، وهذا الحديث، والحادي بعد الثلاثين (٣).
قال أبو عُمَر:"وهذا مِنَ الكلامِ الجامِعِ للمعاني الكثيرَةِ الجليلَةِ، في الألفاظِ القليلةِ، وهو ما لم يَقُلْهُ أحدٌ قَبْلَهُ، إلَّا أنهُ قد رُوِيَ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال في صُحُفِ إبراهيم - عليه السلام -: "مَن عَدَّ كلامَهُ مِن عمَلِهِ قلَّ كلامُهُ إلَّا فيما يَعْنِيهِ" (٤) وهذا خاص بالكلام، وأَمَّا الحديث فإنه أعم منه.
وروى أبو إدريس الخولاني -رحمه الله-[عن أبي ذَرٍّ قال](٥): قلتُ: يا رسول الله! ما كانت صحف إبراهيم - عليه السلام -؟ قال: "كانت أَمْثَالًا كلها ... " فَذَكَرَ الحدِيثَ. قال: وكان فيها: "وعلى العَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بزَمَانِهِ، مُقْبِلًا على
(١) (٢/ ٤٨٧ رقم ٢٦٢٨). (٢) التمهيد (٩/ ٩٥ - ١٩٩). (٣) رواه ابن عبد البر في "التمهيد" (٩/ ٢٠١)، والخطيب في "التاريخ" (٩/ ٥٧)، وابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (١/ ٤٣١ - ٤٣٢)، وذكره ابن الصَّلاح في "صيانة مسلم" (٢٢١ - ٢٢٢)، والنووي في " رؤوس المسائل" (٩٣)، والمزي في "تهذيب الكمال" (١١/ ٣٦٤)، والذهبي في "السير" (١٣/ ٢٠٩ - ٢١٠)، وابن رجب في "جامع العلوم والحِكَم" (١/ ٦٢ - ٦٣)، والسخاوي في "بذل المجهود" (١٠٢ - ١٠٣)، والسيوطي في "منتهى الآمال" (٥٥ - ٥٧). وفي بعض المصادر أُبدل حديث مكان حديث آخر لاختلاف الرواة عنه فيه، وهما: ابن دَاسَة، وأبو سعيد الأعرابي راوِيَا "السُّنن". (٤) هو قطعة من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - وسيأتي تخريجه في الذي بعده. (٥) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وأثبتناه من "التمهيد"، والسياق يقتضيه.