قال أبو سعيد: اعلم أنّ هذه الأفعال التي ضمّنها هذا الباب أفعال تدخل على مبتدأ وخبر فتفيد فيها زمانا محصلا أو نفيا أو انتقالا أو دواما، فمن ذلك:" كان " ولها ثلاثة معان، أحدها: ما ذكرناه، كقولك:" كان زيد عالما "، وكان الأصل:" زيد عالم " فدخلت " كان " لتوجب أنّ ذلك في زمان ماض، وكذلك:" يكون زيد منطلقا ".
وقد يكون ما جعلته " كان " في الزّمان الماضي منقطعا، وغير منقطع؛ فأما ما لم ينقطع فقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١) وهو في كل حال موصوف بذلك عز وجل، وأما ما قد انقطع فقولك:" قد كنت غائبا وأنا الآن حاضر ". وقد يحتمل أن يكون " وكان الله عليما حكيما " في تأويل المنقطع، ومعناه: ما وقع عليه العلم والحكمة، لا العلم والحكمة، كما قال الله تعالى: حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ (٢) والمعنى: حتى يجاهد المجاهدون منكم ونحن نعلمهم.
والمعنى الثاني من معاني كان: أن تكون في معنى: حدث ووقع، كقولنا:" كان الأمر " أي حدث.
والوجه الثالث: أن تكون زائدة. وقولنا:" تكون زائدة " ليس المعنى بذلك أنّ دخولها كخروجها في كل معنى، وإنما يعني بذلك أنه ليس لها اسم ولا خبر، ولا هي لوقوع شيء مذكور، ولكنها دالّة على زمان، وفاعلها مصدرها: وذلك قولك: " زيد كان قائم " و " زيد قائم كان " تريد ذلك الكون، وقد دلّت كان على الزمان الماضي؛ لأنك لو قلت:" زيد قائم " ولم تقل: " كان " لوجب أن يكون ذلك في الحال.
وقال الشاعر:
سراة بني أبي بكر تساموا ... على كان المسوّمة العراب (٣)
يريد: على المسوّمة العراب كان ذلك الكون. ومثل ذلك قولنا:" زيد ظننت منطلق " وألغينا " ظننت " ولم نعملها، ومع ذلك فقد أخرجت الكلام من اليقين إلى الظنّ.
كأنك قلت: زيد منطلق في ظنّي. وكذلك قولك:" زيد منطلق كان " وإن لم تعمل " كان " في اللّفظ، فقد أوجبت أن هذا المعنى في زمان ماض.
(١) سورة النساء، آية: ١٠٤. (٢) سورة محمد، آية: ٣١. (٣) البيت بلا نسبة في الخزانة ٤/ ٣٣.