أالحق إن دار الرّباب تباعدت ... أو أنبت حبل أنّ قلبك طائر؟ (١)
وقال النابغة الجعدي:
ألا أبلغ بني خلف رسولا ... أحقّا أنّ أخطلكم هجاني (٢)
فكل هذه الأبيات سمعناها من أهل الثقة هكذا. والرفع في جميع هذا جيد قوي وذلك أنك إن شئت قلت: أحق أنك ذاهب. وأكبر ظنك أنك ذاهب تجعل الآخر هو الأول. وأما قولهم:" لا محالة أنك ذاهب " فإنما حملوا " أنّ " على: أن فيه إضمار " من " على قولك: (لا محالة أنك) كما تقول: (لابد أنك) كأنك قلت: لابد من أنك حين لم يجز أن يحملوا الكلام على القلب.
وسألته عن قولهم: أمّا حقا فأنك ذاهب فقال: هذا جيد. وهذا الموضع من مواضع إنّ ألا ترى أنك تقول: أما يوم الجمعة فإنك ذاهب. وأما فيها فأنك قائم وأنما جاز هذا في " أما " لأن فيها معنى يوم الجمعة مهما يكن من شئ فإنك ذاهب.
وأما قوله عز وجل: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ (٣) فإن " جرم " عملت لأنها فعل ومعناها: لقد حق أن لهم النار، ولقد استحق أن لهم النار.
وقول المفسرين معناها: حقا أن لهم النار يدلك أنها بمنزلة هذا الفعل إذا مثلت. " جرم " قد عملت في " أن " عملها في قول القزاري: (٤)
ولقد طعنت أبا عيّينة طعنة ... جرمت فزارة بعدها أنّ يغضبوا (٥)
٢٨٢، سمط اللآلي ١٢٥. العيني: ٢/ ٢٣٥، الأشموني: ١/ ٢٧٨، الهمع ٢/ ٧١. (١) الديوان: ٣٣، الخزانة: ٤/ ٣٠٣، الأشموني ٤/ ٢٧٨. (٢) سبق تخريجه. (٣) سورة النحل، الآية: ٦٢. (٤) هو عوف بن عطية واسمه عمرو بن عيسى بن وديعة، معجم الشعراء: ١٢٥. (٥) انظر المقتضب: ٢/ ٣٥٢، معاني القرآن للفراء: ٢/ ٩.