وأما قول الله عز وجل: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١) ففيه قراءتان: كسر أن وفتحها. فمن كسرها فقد تم الكلام بقوله:" وما يشعركم ". ثم أخبر الله عز وجل أنهم لا يؤمنون ". ومن فتحها: فقد تم الكلام أيضا عند قوله " وما يشعركم " ثم استأنف الكلام فأبهم أمرهم فلم يخبر عنهم بإيمان ولا غيره فقال: " أنها " على معنى " لعلها " وهذا قول النحويين والخليل والكسائي والفراء وهو مذهب كلام العرب.
حكى الخليل: ائت السوق أنك تشتري. بمعنى لعلك تشتري. وحكى الكسائي قال: سمعت رجلا يقول: (ما أدري أنه صاحبها) يريد لعله صاحبها. ومن العرب من يقول: لو " أن " في معنى " لعل " قال الكسائي: سمعت أبا الهيثم يقول:
" فلو أنها نزعت ... " يريد فراقا وأنشد الفراء:
فقلت امكثي حتى يسار لو أننا ... نحج معا قالت أعام وقابله؟ (٢)
وقد تقول العرب: علك وعنّك ولعنك ولعلهم أبدلوا العين في " عنك " همزة
قال الفرزدق:
ألستم عائحين بنا لعنّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام (٣)
وإنما كرهوا أن يجعلوا " أنها " في صلة: يشعركم؛ لأن ذلك يصير كالعذر لهم والإخبار بأنهم يؤمنون، إذا قلت لإنسان: " ما يدريك أن زيدا ليس حسن " فالأظهر في قصد قائله: أنه يغلب له الإحسان. فلذلك عدلوا إلى تفسيره " بلعل ".
ولا يحسن لأن (أنّ) تلي " إنّ " ولا " إنّ " " أنّ ". لأنهما جميعا للتأكيد يجريان مجرى واحدا فكرهوا الجمع بينهما كما كرهوا الجمع بين اللام وأنّ فإن فصلت بينهما أو عطفت
(١) سورة الأنعام، الآية: ١٠٩. (٢) لم أقف على القائل. والبيت برواية: فقلت امكثي حتى يسار لعلنا ... نحج معا قالت أعام وقابله؟ انظر الهمع: ١/ ٢٩، والدرر: ١/ ٩، وفي الكتاب: ٢/ ٣٩ مستشهدا به على أن يسار معدول عن " الميسرة " وانظر اللسان (يسر)، والمخصص: ١٧/ ٦٤. (٣) البيت في الديوان ص ٨٣٥، والتصريح: ١/ ١٩٢، والإنصاف: ٢٢٥، العرصات: مفردها عرصة وهي كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء.