ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضَبًا على أهلها، ألا وهي قد رجعت على حالها بالأمس، ألا ليبلغ الشاهد الغائب"، فمن قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتل بها! فقولوا: إن الله تعالى قد أحلَّها لرسوله ولم يحلَّها لك (١).
ومن الناس من قال: إن مكة كانت حلالًا قبل دعوة إبراهيم عليه السلام كسائر البلاد وإنها صارت بِدَعوته حرمًا (٢) آمنا حين حرَّمها الله تعالى، كما صارت (٣) المدينة بتحريم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرمًا (٤) بعد أن كانت حلالًا؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن إبراهيم كان عبد الله وخليله وإني عبد الله ورسوله. وإن إبراهيم حرّم مكة وإني حرّمت المدينة ما بين لابيتها: عِضاها وصيدها، لا يُحمل فيها السلاح لقتال ولا يُقطع فيها شجر إلا لعلف بعير (٥) - انتهى- كلام القاضي.
وهذا الحديث أصله في "الصحيح". فقد روى مسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اللهم إن إبراهيم حرّم مكة فجعلها حرمًا (٦)، وإني حرَّمت المدينة حرامًا ما بين مأزميها: أن لا يهُراق فيها دمٌ ولا يحمَل فيها سلاح لقتال ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف" (٧).
ورويناه بإسكان اللام من علف؛ لأنه مصدر، وأما بفتح اللام: فاسم للحشيش والتبن والشعير ونحو ذلك.
(١) تقدم. (٢) في "ق": "حراما". (٣) في "ق": "كانت". (٤) في "ق": "حراما". (٥) "ابن ماجه" (١٢، ١٣)، و"الطبري" في تفسيره (١/ ٥٤٢). (٦) في "ق": "حراما". (٧) "مسلم" (١٣٧٤) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.