وعند شرحه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "بين النفختين أربعون"(٢) قال: "يعني: نفختي الصعق والبعث يشير إلى قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}(٣) "(٤).
والقول الراجح الذي تؤيده الأدلة أن النفخ في الصور نفختان فقط: الأولى: نفخة إماتة يموت فيها كل من كان حيًّا إلَّا من استثنى الله تعالى وهي نفخة الصعق.
والثانية: نفخة إحياء يحيى بها من مات، وهي نفخة البعث.
ولكن الإشكال مع هذا ما جاء من قوله - صلى الله عليه وسلم - في بيان فضل موسى عليه السلام، إذ قال:"لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلَّا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من يبعث - وفي رواية -: أول من يفيق فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أو بعث قبلي"(٥).
وقد بيَّن القرطبي هذا الإشكال ووجه الانفصال عنه فقال: هذا مشكل بالمعلوم من الأحاديث الدالة على أن موسى - عليه السلام - قد
(١) المفهم (٦/ ٢٣٢). (٢) رواه البخاري في كتاب التفسير، باب: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)} ح ٤٨١٤ (٨/ ٤١٤)، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ما بين النفختين ح ٢٩٥٥ (١٨/ ٣٠٣). (٣) سورة الزمر، الآية: ٦٨. (٤) المفهم (٧/ ٣٠٦). (٥) سبق تخريجه ص (٦٤٨).