ثم قال:"انهَزَمُوا وربّ محمد" قال: فذهبت انظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى قال: فوالله ما هو إلَّا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى أحدهم كليلًا وأمرهم مدبرًا" (١).
قال القرطبي في شرحه لهذا الحديث: "رميه - صلى الله عليه وسلم - في وجوه الكفار بالتراب، وإصابته أعين جميعهم من أعظم معجزاته، إذ ليس في قوة البشر إيصال ذلك إلى أعينهم، ولا يسع كفه ما يعمهم، وإنما كان ذلك من صنع الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك قال تعالى:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}(٢)" (٣).
١٠ - إجابة دعواته:
إن من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - استجابة دعائه فكان عليه الصلاة والسلام إذا دعا استجاب الله تعالى له، وقد وقع ذلك كثيرًا، وجاءت السنة به، فمنها: دعوته عليه الصلاة والسلام على أبي جهل وعتبة، وشيبة، ومن معهم، عند اشتداد أذاهم، فصرعوا في بدر جميع الذين سمَّاهم - صلى الله عليه وسلم - (٤).
قال القرطبي عند شرحه لهذا الحديث: "وإجابة الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا الدعاء من أدلة نبوته وصحتها" (٥).
وقد بيَّن القرطبي في عدة مواضع عند ذكر أمثال هذا الحديث. أن استجابة دعوته -عليه الصلاة والسلام- من دلائل نبوته (٦).
(١) رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين ح ١٧٧٥ (١٢/ ٣٥٥). (٢) سورة الأنفال، الآية: ١٧. (٣) المفهم (٣/ ٦١٧). (٤) رواه البخاري في كتاب الوضوء باب إذا وضع على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته ح ٢٤٠ (١/ ٤١٦)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين والمنافقين ح ١٧٩٤ (١٢/ ٣٩٣). (٥) المفهم (٣/ ٦٥٤). (٦) انظر: المفهم (٢/ ٥٤٦، ٣/ ٣٩٤، ٤/ ٥٥٠، ٥/ ٢٩٧، ٣٣٤، ٦/ ٤٠٤).