وكان أحمدُ لا يكفِّرُ مَن يَجعَلُ الإيمانَ قولًا واعتقادًا بلا عَمَلٍ، ويَصِفُهُ بالبِدْعةِ والإرجاء، ويقول:"أَدعُو لهم بالصلاح"(١).
وعن أحمدَ روايةٌ أُخرَى رواها حَنْبلٌ: أنَّ مَن ترَكَ العمَلَ كُلَّهُ حتَّى يموتَ، ولا يَرَى العَمَلَ كُلَّهُ له أَثَرٌ في ثبوتِ الإيمانِ ولا نَفْيِه:"أنَّه كافِرٌ باللهِ"(٢)؛ وهو قولُ الحُمَيْدِيِّ (٣).
والأحاديثُ التي فيها: أنَّ مَن نطَقَ بالشهادتَيْن، دخَلَ الجَنَّةَ، حمَلَها السلفُ على أنَّها قبلَ أن تُحَدَّ الحدودُ، وتَنزِلَ الفرائِضُ؛ قال ذلك الضَّحَّاكُ بن مُزَاحِمٍ (٤)، والزهريُّ (٥)، وأحمدُ (٦)، وغيرُهم.
وقال أبو ثَوْرٍ: "فأمَّا الطائفةُ التي ذهَبَتْ إلى أنَّ العمَلَ ليس مِن الإيمانِ، فيقالُ لهم: ماذا أَرَادَ اللهُ مِن العبادِ؛ إذْ قال لهم:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة: ٤٣]؛ الإقرارَ، بذلك، أو الإقرارَ والعمَلَ؟ :
فإنْ قالت: إنَّ اللهَ أرادَ الإقرارَ، ولم يُرِدِ العمَلَ، فقد كفَرَتْ عند أهلِ العلمِ؛ مَن قال: إنَّ اللهَ لم يُرِدْ مِن العبادِ أن يُصَلُّوا، ولا يُؤتُوا الزكاةَ!
وإنْ قالت: أرادَ منهم الإقرارَ والعمَلَ، قيل: فإذا كان أرادَ منهم الأمرَيْنِ جميعًا، لِمَ زَعَمْتُمْ أنَّه يكونُ مؤمِنًا بأحدِهما دُونَ الآخَر، وقد أرادَهُما جميعًا؟ !
أرأيتُمْ لو أنَّ رجلًا قال: أعمَلُ جميعَ ما أمَرَ به اللهُ، ولا أُقِرُّ به؛ أيكونُ مؤمنًا؟ :