كانتْ بها عادٌ وجُرْهُم قبلهم … واللهُ من فوق العباد يُقيمها (١)
وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري المدني:
ومن صُنْعه يوم فيل الحُبُو … ش، إذ كل ما بَعَثُوه رَزْم
محاجنهم تحت أقرانه … وقد شَرَموا أنفه فانخرم
وقد جعلوا سوطه مغولًا … إذا يَمَّمُوه قَفَاه كُليم
فولى وأدبر أدراجه … وقد باء بالظلم من كان ثَمَّ
فأرسل من فوقهم حاصبًا … يَلُفهُم مثْلَ لَفّ القزُم
تحث على الصَّبر أحبارُهم … وَقَد تأجُوا كَثؤاج الغَنَم (٢)
وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي، ويُروى لأُمية بن الصلت بن أبي ربيعة:
إن آيات رَبِّنا بَاقياتٌ … مَا يُمَاري فيهنَّ إلا الكفورُ
خُلِقَ الليلُ النَّهارُ فَكُلّ … مستبينٌ حسابُه مَقْدُورُ
ثم يجلو النَّهارَ ربٌّ رحيمٌ … بمهاة شُعَاعها منشورُ
حُبِسَ الفيلُ بالمُغمَّس حَتَّى … صار يَحْبُو، كأنه معقورُ
لازمًا حَلقُه الجرانَ كما قُطِّر … من ظَهْر كَبْكب مَحدُورُ
حَوله من مُلُوك كِندَة أَبطالُ … مَلاويثُ في الحُرُوب صُقُورُ
خَلَّفُوه ثم ابذَعرّوا جَميعًا، … كُلّهم عَظْمُ ساقه مَكْسُورُ
كُلّ دين يَومَ القِيَامَة عندَ الـ … ـلّه إلا دِينُ الحَنِيفَة بورُ (٣)
وقد قدمنا في تفسير "سورة الفتح" أن رسول الله ﷺ لما أطلَّ يوم الحديبية على الثنيَّة التي تهبط به على قريش، بركت ناقته، فزجروها فألحَّت، فقالوا: خلأت القصواء؛ أي: حَرَنت. فقال رسول الله ﷺ: "ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل". ثم قال: "والذي نفسي بيده، لا يسألوني اليوم خطة يُعَظمون فيها حُرُمات الله، إلا أجبتهم إليها". ثم زجرها فقامت. والحديث من أفراد البخاري (٤).
وفي الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال يوم فتح مكة: "إن الله حبس عن مكة الفيل، وسَلَّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حُرمَتُها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ الشاهد الغائب" (٥).
آخر تفسير سورة "الفيل"، ولله الحمد والمنة.
(١) ينظر: السيرة النبوية لابن هشام ١/ ٥٧.
(٢) المصدر السابق ١/ ٥٨.
(٣) المصدر السابق ١/ ٦٠.
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة الفتح آية ٢٦.
(٥) أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة ﵁. (صحيح البخاري، العلم، باب كتابة العلم ح ١١٢؛ وصحيح مسلم، الحج، باب تحريم مكة ح ١٣٥٥).