النبي ﷺ فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة ﵂: دونك ابنة عمك فحملتها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر فقال علي: أنا أخذتها وهي ابنة عمي: وقال جعفر ﵁: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها النبي ﷺ لخالتها وقال:"الخالة بمنزلة الأُم" وقال لعلي ﵁: "أنت مني وأنا منك" وقال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي" وقال ﷺ لزيد: "أنت أخونا ومولانا" قال علي: ألا تتزوج ابنة حمزة ﵁؟ قال ﷺ:"إنها ابنة أخي من الرضاعة"(١) تفرد به من هذا الوجه.
وقوله: ﴿فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ أي: فعلم الله تعالى من الخيرة والمصلحة في صرفكم عن مكة ودخولكم إليها عامكم ذلك ما لم تعلموا أنتم ﴿فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ أي: قبل دخولكم الذي وعدتم به في رؤيا النبي ﷺ فتحًا قريبًا، وهو الصلح الذي كان بينكم وبين أعدائكم من المشركين،
ثم قال تعالى مبشرًا للمؤمنين بنصرة الرسول ﷺ على عدوه، وعلى سائر أهل الأرض: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ أي: بالعلم النافع والعمل الصالح، فإن الشريعة تشتمل على شيئين: علم وعمل، فالعلم الشرعي صحيح، والعمل الشرعي مقبول، فإخباراتها حق وإنشاءاتها عدل ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أي: على أهل جميع الأديان من سائر الأرض من عرب وعجم ومليّين ومشركين ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ أي: أنه رسوله وهو ناصره.
يخبر تعالى عن محمد ﷺ أنه رسوله حقًا بلا شك ولا ريب فقال: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ وهذا مبتدأ وخبر، وهو مشتمل على كل وصف جميل، ثم ثنى بالثناء على أصحابه فقال: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ كما قال تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: ٥٤] وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدًا عنيفًا على الكفار، رحيمًا برًا بالأخيار، غضوبًا عبوسًا في وجه الكافر ضحوكًا بشوشًا في وجه أخيه المؤمن كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة: ١٢٣].
وقال النبي ﷺ:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"(٢).
وقال ﷺ:"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا". وشبك ﷺ بين أصابعه (٣) كلا الحديثين في الصحيح.
وقوله: ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة وهي
(١) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (المصدر السابق ح ٤٢٥١). (٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ٨٤. (٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة التوبة آية ٧١.