نحن قتلناكم على تأويله … كما قتلناكم على تنزيله (١)
ضربًا يزيل الهام عن مقيله … ويذهل الخليل عن خليله (٢)
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا إسماعيل - يعني: ابن زكريا -، عن عبد الله - يعني: ابن عثمان - عن أبي الطُّفيل، عن ابن عباس، قال: إن رسول الله ﷺ لما نزل مرّ الظهران في عمرته بلغ أصحاب رسول الله ﷺ أن قريشًا تقول ما يتباعثون من العجف (٣)، فقال أصحابه لو انتحرنا من ظهرنا (٤) فأكلنا من لحمه وحسونا من مرقه أصبحنا غدًا حين ندخل على القوم وبنا جمامة (٥).
قال ﷺ:"لا تفعلوا ولكن اجمعوا لي من أزوادكم، فجمعوا له وبسطوا الأنطاع (٦) فأكلوا حتى تركوا وحثا كل واحد منهم في جرابه، ثم أقبل رسول الله ﷺ حتى دخل المسجد وقعدت قريش نحو الحجر، فاضطبع ﷺ بردائه ثم قال: لا يرى القوم فيكم غميرة"(٧) فاستلم الركن ثم رمل حتى إذا تغيب بالركن اليماني مشى إلى الركن الأسود، فقالت قريش: ما ترضون بالمشي أما إنكم لتنقزون نقز الظباء، ففعل ذلك ثلاثة أشواط فكانت سُنَّة. قال أبو الطفيل: فأخبرني ابن عباس أن رسول الله ﷺ فعل ذلك في حجة الوداع (٨):
وقال أحمد أيضًا: حدثنا يونس، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قدم رسول الله ﷺ وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب ولقوا منها سوءًا، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، ولقوا منها شرًا وجلس المشركون من الناحية التي تلي الحجر، فأطلع الله نبيه ﷺ على ما قالوا، فأمر رسول الله ﷺ أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة ليرى المشركون جلدهم، قال: فرملوا ثلاثة أشواط، وأمرهم أن يمشوا بين الركنين حيث لا يراهم المشركون، ولم يمنع النبي ﷺ أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم. فقال المشركون: أهؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد من كذا وكذا (٩). أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد بن زيد به (١٠).
(١) قال الحافظ ابن حجر وصحيح الرواية: نحن ضربناكم على تأويله … كما ضربناكم على تنزيله (فتح الباري ٧/ ٥٠١). (٢) أخرجه البيهقي من طريق عبد الرزاق به (دلائل النبوة ٤/ ٣٢٣) قال الدارقطني في "الأفراد" تفرد به معمر عن الزهري، وتفرد به عبد الرزاق عن معمر. (فتح الباري ٧/ ٥٠١). (٣) أي: لا يستطيعون التصرف من الضعف والهزال. (٤) أي: ذبحنا الإبل. (٥) أي: راحة وشبع وري. (٦) أي: الجلود. (٧) أي: غيبًا. (٨) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٤٩٨ ح ٢٧٨٢) وقال: إسناده قوي. (٩) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٢٩٥) وسنده صحيح. (١٠) صحيح البخاري، الحج، باب كيف كان بدء الرمل؟ (ح ١٦٠٢) وصحيح مسلم، الحج، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة (ح ١٢٦٦).