وعن ابن عباس أيضًا أنه قرأ: فرقناه بالشديد (١)، أي: أنزلناه آية آية مبينًا ومفسرًا، ولهذا قال: ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ﴾ أي: لتبلغه الناس وتتلوه عليهم، أي: ﴿عَلَى مُكْثٍ﴾ أي: مهل ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ أي: شيئًا بعد شيء.
يقول تعالى لنبيه ﷺ: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء الكافرين بما جئتهم به من هذا القرآن العظيم ﴿آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا﴾ أي: سواء آمنتم به أم لا، فهو حق في نفسه أنزله الله ونوه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله، ولهذا قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي: من صالحي أهل الكتاب الذين تمسكوا بكتابهم ويقيمونه ولم يبدلوه ولا حرفوه ﴿إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ هذا القرآن ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ﴾ جمع ذقن وهو أسفل الوجه ﴿سُجَّدًا﴾ أي: لله ﷿ شكرًا على ما أنعم به عليهم من جعله إياهم أهلًا أن أدركوا هذا الرسول الذي أنزل عليه هذا الكتاب، ولهذا يقولون: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا﴾ أي: تعظيمًا وتوقيرًا على قدرته التامة وأنه لا يخلف الميعاد الذي وعدهم على ألسنة الأنبياء المتقدمين عن بعثة محمد ﷺ ولهذا قالوا: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا﴾.
وقوله: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ﴾ أي: خضوعًا لله ﷿ وإيمانًا وتصديقًا بكتابه ورسوله ﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ أي: إيمانًا وتسليمًا، كما قال: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧)﴾ [محمد]. وقوله: ﴿وَيَخِرُّونَ﴾ عطف صفة على صفة لا عطف السجود على السجود، كما قال الشاعر:
إلى الملك القَرْم وابن الهُمام … وليث الكتيبة في المزدحم
يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله ﷿، المانعين من تسميته بالرحمن ﴿ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ أي: لا فرق بين دعائكم له باسم الله أو باسم الرحمن، فإنه ذو الأسماء الحسنى، كما قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (٢٢)﴾ إلى أن قال: ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: ٢٢ - ٢٤].
= ٢/ ٣٦٨)، والبيهقي (دلائل النبوة ٧/ ١٣١)، كلهم من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، ووافقهما الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٩/ ٤). وأصله في صحيح البخاري من طريق هشام عن عكرمة عن ابن عباس بنحوه (الصحيح، مناقب الأنصار، باب مبعث النبي ﷺ ح ٣٨٥١). (١) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين وهو ابن داود: ضعيف. والقراءة شاذة تفسيرية.