لا يبعدنّ قومي الذين همو … سُمّ العداة وآفة الجزُر
النازلين بكل معترك … والطيبون معاقد الأزر
بمعنى: مدح النازلين.
وقال آخرون: هو مخفوض عطفًا على قوله: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ يعني: وبالمقيمين الصلاة، وكأنه يقول: وبإقامة الصلاة؛ أي: يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم، أو أن المراد بالمقيمين الصلاة الملائكة وهذا اختيار ابن جرير، يعني: يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالملائكة، وفي هذا نظر، واللّه أعلم.
وقوله: ﴿وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ يحتمل أن يكون المراد زكاة الأموال، ويحتمل زكاة النفوس، ويحتمل الأمرين، والله أعلم.
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ أي: يصدقون بأنه لا إله إلا الله، ويؤمنون بالبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال خيرها وشرها. وقوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ هو الخبر عما تقدم ﴿سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [يعني: الجنة](١).
قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال سكين وعدي بن زيد: يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى، فأنزل الله في ذلك من قولهما: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ … ﴾ إلى آخر الآيات (٢). وقال ابن جرير: حَدَّثَنَا الحارث، حَدَّثَنَا عبد العزيز، حَدَّثَنَا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي، قال: أنزل الله: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣] إلى قوله: ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٥٦] قال: فلما تلاها عليهم يعني: على اليهود، وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة، جحدوا كل ما أنزل الله وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء، ولا موسى ولا عيسى ولا على نبي من شيء، قال: فحلّ حبوته (٣)، وقال: ولا على أحد! فأنزل الله ﷿: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ (٤) [الأنعام ة ٩١، وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب القرظي نظر، فإن هذه الآية التي في سورة الأنعام مكية، وهذه الآية التي
(١) كذا في (حم) و (مح) وسقط من الأصل. (٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق ابن إسحاق به، وفيه تصريح ابن إسحاق بالسماع وهذا الإسناد قد بحثته مفصلًا في مقدمة التفسير الصحيح. (٣) فحل حبوته: الحُبوة الاسم من الاحتباء، وهو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليه، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب (لسان العرب: ح ب و). (٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده مرسل، وقد ردَّه الحافظ ابن كثير.