عشيّة مات الصّبر واحتضر العزا … وغيض (١) بماء العين في جفنها السّحت
وجاء رسول البين فينا، فقال إذ … رآني لأشياع له: ذا تخيّرت
فشدّ على أطواق ثوبي كفّه … وأسلمني من بعد أنسي (٢) وجرّدت
إلى عصبة لم يرحموا سوء مرفقي … كأنّي بدين الله ربّي كذّبت
وأذّن فينا للرّحيل مؤذّن … فقال: أجيبوا البين قد حضر الوقت
فهان عليّ الموت حين سمعته … ووكّل بي منهم رفيق فما زدت
أقاد ولا أدري أقتل يراد بي … أم السّجن، فاستسلمت للحين وانقدت
فقيّدت في قيد الحديد كأنّني … أسير بدار الحرب، أو من به غرت
وطبّقت في سجن إذا اللّيل جنّه … تجلّت نجوم اللّيل بدرا (٣) وكبّرت
وظلمة سجني في سواد مصائبي … كمشي نهار مرّ ساعته السّتّ
مصاب أبي مروان أفنى تجلّدي … فصبري مقطوع الحبال ومنبتّ
تجرّع كأس الموت دوني ليته … يؤخّر عن ذاك المقام وقدّمت
به كنت ألتذّ الحياة وإن غدا … صريع المنايا ما أبالي متى متّ
فقدت بفقدي شخصه كلّ راحة … وكلّ سرور يوم ودّع ودّعت
وعوّضت من أنسي به الحزن والأسى … ومن جمع شملي بالتّفرّق عوّضت
سأبكي عليه ما بقيت، فإن أمت … سيبكيه من بعدي رثائي الذي قلت
وإن لم أجد دمعا بكيت له دما … وإن لم أطق كتمان ما حلّ بي، بحت
وإن غلب الوجد المبرّح والأسى … وضعت على قلبي يدي وتأوّهت
إذا اشتدّ بي كربي وضاقت مذاهبي … ولم أستطع صبرا على كبدي صحت
تطاول بي ليلي وبدري آفل … فلا البدر يبدو لي ولا أنا أصبحت
أقول لمن بالذّلّ والسّجن عابني … رويدا، فإن حال الزّمان فما حلت /
وإن كان وشك البين أخلق جدّتي … فحزني جديد ليس يخلق ما شئت
وإن كان صرف الدّهر غيّر ظاهري … فإنّي الذي تدرونه (٤) ما تغيّرت
(١) في الأصل أ: وغيض ماء
(٢) في الأصل أ: من بعد اني
(٣) في الأصل أ: بدا.
(٤) في الأصل أ: تدرون.