فدخل فرآه فقبَّل بين عينيه - صلى الله عليه وسلم -، وقال: بأبي أنت، أما الموتة التي كَتَب الله عليك فقد مِتّها، والله لا يجمع عليك موتتين، ثم خرج فخطب الناسَ وقال: مَن كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومَن كان يعبد الله فإنّ الله حيٌّ لا يموت. ثم قرأ هذه الآية:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران: ١٤٤]، فكأنّ الناس لم يسمعوها حتى تلاها أبو بكر - رضي الله عنه -، فلا يوجد إلا مَن يتلوها (١).
وكذلك بيانه له لما توقَّف في قتال مانِعِي الزكاة، وغير ذلك (٢).
والمقصود هنا [ت ٩] أنه إذا كان مثلُ عمر الذي هو أفضل الأمة بعد أبي بكر، وهو الملْهَم المحدَّث الناطق بالصواب، الذي لو كانت النبوّةُ ممكنةً بعد محمد لكانت له= مأمورًا (٣) أن يردّ (٤) ما يُلقى في قلبه إلى الكتاب والسنة، فغيرُه من الشيوخ والعلماء أولى بذلك، فإنه ليس بعده مثله.
ولهذا قال الجُنيد - رحمه الله -: عِلْمُنا هذا مقيّد (٥) بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلّم في عِلْمنا (٦).
(١) أخرجه البخاري (١٢٤١، ٣٦٦٧ - ٣٦٦٨، ٤٤٥٢، ٤٤٥٣). (٢) أخرجه البخاري (١٣٩٩ - ١٤٠٠)، ومسلم (٢٠). (٣) كتب فوقها في النسخة: «هذا خبر كان». (٤) كتب فوقها في النسخة تعليقًا: «الصواب: أن يورد، ولكن هكذا في المنتسخ». وما في النسخة صحيح لا غبار عليه. (٥) النسخة: «مقيدًا»، خطأ. (٦) ينظر «حلية الأولياء»: (١٠/ ٢٥٥)، و «الرسالة القشيرية»: (١/ ٧٩).