واختلاف الأئمة في ذلك مستوفًى عند تفسير قوله تعالى:{أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}[الآية: ١٥]، وعند قوله تعالى:{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}[الآية؛ ٢٥]، وقدم الزانية؛ لأن الزنا في الأغلب يكون بتعرضها للرجل، وعرض نفسها عليه.
{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} قرأ قنبل عن ابن كثير: (رَأَفَةٌ) بفتح الهمزة، واختلف عن البزي، وقرأ الباقون: بإسكانها (١)، وأبو جعفر، وأبو عمرو، وورش: يبدلون الهمز بالألف على أصلهم، وأبو عمرو يدغم التاء في الجيم من قوله:(مِئَة جَّلْدَةٍ)(٢)، والرأفة: أرق الرحمة؛ أي: لا تخففوا جلدهما رأفة بهما، ولكن تصلَّبوا {فِي دِينِ اللَّهِ} في حكمه، وأوجعوهما ضربًا، وأقيموا حدوده كما أمركم.
{إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه قال:"والله لو سرقَتْ فاطمةُ بنتُ محمدٍ، لقطعتُ يدها"(٣)، فتجب إقامة الحد على من لزمه بالاتفاق، ويُضرب الرجل قائمًا عند الثلاثة، وعند مالك: جالسًا، وأما المرأة، فتضرب جالسة باتفاقهم، وسوط الحد عند الشافعي ما بين قضيب وعصا رطب ويابس، وعند الثلاثة: يضرب بسوط لا جديد
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٤٥٢)، و"تفسير البغوي" (٣/ ٢٦٤)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٢٣٤). (٢) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٠٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٢٣٤). (٣) رواه البخاري (٣٢٨٨)، كتاب: الأنبياء، باب: حديث الغار، ومسلم (١٦٨٨)، كتاب: الحدود، باب: قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، عن عائشة -رضي الله عنها-.