قوله:"من فيح جهنم" ويقال: فوح، والفاء فيهما مفتوحة, وبالحاء المهملة, وهو سطوع حرها وانتشاره يقال: فاحت القدر تفوح إذا غلت. واختلف هل هنا حقيقة أو مجاز، فالجمهور على أنه حقيقة.
فقالوا: وهج الحرّ من فيح جهنم، ويؤيده حديث أبي هريرة:"اشتكت النار إلى ربها - عز وجل -، فأذن لها بنفسين" يأتي.
وقيل: إنه كلام خرج مخرج التشبيه. أي: كأنه نار جهنم في الحر فاجتنبوا ضرره.
قال القاضي (١): حمله على الحقيقة أولى.
وقال ابن عبد البر (٢): إنه لقصده عموم الخطاب، وظاهر الكتاب، وهو أولى بالصواب.
قوله:"وفي رواية لمالك: أن النار اشتكت" إلى آخره. أقول: هذه الرواية في الصحيح (٤) من حديث سعيد بن المسيب.
قوله:"اشتكت إلى ربها" أقول: اختلف في هذه الشكوى: هل هي بلسان المقال أو الحال؟
ذهب إلى كلِّ طائفة. قال ابن عبد البر (٥): لكلا القولين وجه، ونظائر والأول أرجح.
(١) أي: القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (٢/ ٥٨٣). (٢) في "الاستذكار" (١/ ٣٥٣ رقم ٩٣٨)، حيث قال: القول الأول يعضده عموم الخطاب وظاهر الكتاب وهو أولى بالصَّواب. والله أعلم. (٣) في "الموطأ" (١/ ١٥ رقم ٢٧)، وهو حديث صحيح لغيره. (٤) خرجه البخاري رقم (٥٣٦، ٥٣٧) وطرفه رقم (٣٢٦٠). (٥) "التمهيد" (٥/ ٤ - ٥)، "الاستذكار" (١/ ٣٥٢ - ٣٥٣).