وها هنا أمرٌ يجب التنبيه عليه وهو: أنَّ الجنَّة إنما تُدْخَلُ برحمة اللَّه، وليس عمل العبد مستقلًّا بدخولها وإن كان سببًا، ولهذا أثبت اللَّه تعالى دخولها بالأعمال في قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)} [العنكبوت: ٨]، ونفى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخلوها بالأعمال في قوله:"لنْ يدخل أحدٌ منكم الجنَّة بعملهِ"(١).
ولا تنافي بين الأمرين لوجهين:
أحدهما: ما ذكره سفيان وغيره قال: "كانوا يقولون: النجاة من النار بعفو اللَّه، ودخول الجنَّة برحمتهِ، واقتسام المنازل والدرجاتِ بالأعمال"(٢).
ويدل على هذا حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- الَّذي سيأتي إنْ
(١) أخرجه البخاري في تاريخه الكبير (٤/ ٢٣٩)، والطبراني في "الكبير": (٧/ ٢٣٩ و ٣٧٠) وأبو نعيم في "المعرفة" رقم (٣٧٣٤) وغيرهم. من طريق زياد بن علاقة عن شريك بن طارق فذكره. والحديث إلى زياد بن علاقة ثابت، لكن شريك مختلفٌ في صحبته. انظر: "الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة": (١/ ٢٨٤ - ٢٨٥)، و"الإصابة": (٣/ ٢٠٦ - ٢٠٧). وأصح منه ما جاء عند مسلم رقم (٢٨١٦) من حديث أبي هريرة وفيه ". . . واعلموا أنه لن ينجوَ أحدٌ منكم بعمله. . . ". (٢) لم أقف عليه، وذكر ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين": (٣/ ١١٠): ". . . أنَّهُ قد روي في بعض الأحاديث أنَّ نفسَ دخول الجنَّة بالرحمة، واقتسام الدرجات بالأعمال. . ".