(خ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: " بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ " , إذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ , " فَمَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ (١) "، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ , فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ (٢) " حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟ " , قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ , قَالَ: " إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ (٣) " , قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا (٤)؟ , قَالَ: إِذَا وُسِّدَ (٥) الَأَمْرُ (٦) إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ (٧) " (٨)
(١) أَيْ: اِسْتَمَرَّ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ الْحَدِيثَ الَّذِي كَانَ فِيهِ. (فتح - ح٥٩)
(٢) إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ لِمَا ظَهَرَ مِنْ عَدَم اِلْتِفَاتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى سُؤَالِهِ وَإِصْغَائِهِ نَحْوَه؛ وَلِكَوْنِهِ كَانَ يَكْرَهُ السُّؤَالَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا. (فتح - ح٥٩)
(٣) فيه التَّنْبِيهُ عَلَى أَدَبِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّم، أَمَّا الْعَالِمُ , فَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ تَرْكِ زَجْرِ السَّائِل، بَلْ أَدَّبَهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ أَوَّلًا , حَتَّى اِسْتَوْفَى مَا كَانَ فِيهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى جَوَابِه , فَرَفَقَ بِهِ , لِأَنَّهُ مِنْ الْأَعْرَاب , وَهُمْ جُفَاة.
وَفِيه الْعِنَايَةُ بِجَوَابِ سُؤَالِ السَّائِلِ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ السُّؤَالُ مُتَعَيِّنًا , وَلَا الْجَوَاب.
وَأَمَّا الْمُتَعَلِّم , فَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ أَدَبِ السَّائِلِ أَنْ لَا يَسْأَلَ الْعَالِمَ وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ مُقَدَّمٌ , وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدٌ وَغَيْرُهُمَا فِي الْخُطْبَة , فَقَالُوا: لَا نَقْطَعُ الْخُطْبَةَ لِسُؤَالِ سَائِل، بَلْ إِذَا فَرَغَ نُجِيبُهُ.
وَفَصَّلَ الْجُمْهُورُ بَيْن أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ وَاجِبَاتِهَا , فَيُؤَخِّرَ الْجَوَاب، أَوْ فِي غَيْرِ الْوَاجِبَاتِ فَيُجِيب.
وَالْأَوْلَى حِينَئِذٍ التَّفْصِيل، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُهْتَمُّ بِهِ فِي أَمْرِ الدِّين، وَلَا سِيَّمَا إِنْ اِخْتَصَّ بِالسَّائِلِ , فَيُسْتَحَبّ إِجَابَتُهُ , ثُمَّ يُتِمُّ الْخُطْبَة، وَكَذَا بَيْن الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاة، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ , فَيُؤَخَّر، وَكَذَا قَدْ يَقَعُ فِي أَثْنَاءِ الْوَاجِبِ مَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْجَوَاب، لَكِنْ إِذَا أَجَابَ , اِسْتَأنَفَ عَلَى الْأَصَحّ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ اِخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مَعْرِفَتُهَا عَلَى الْفَوْرِ مُهِمَّة فَيُؤَخَّرُ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيث، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ تَرْكُ السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى.
وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الَّذِي سَأَلَ عَنْ السَّاعَةِ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاة، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ: أَيْنَ السَّائِل؟ , فَأَجَابَهُ. وَإِنْ كَانَ السَّائِلُ بِهِ ضَرُورَةٌ نَاجِزَة , فَتُقَدَّمُ إِجَابَتُه، كَمَا فِي حَدِيث أَبِي رِفَاعَةَ عِنْدَ مُسْلِم أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخْطُب: رَجُلٌ غَرِيبٌ لَا يَدْرِي دِينَه, جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِه، فَتَرَكَ خُطْبَتَه, وَأَتَى بِكُرْسِيٍّ فَقَعَدَ عَلَيْهِ , فَجَعَلَ يُعَلِّمُهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرهَا. وَكَمَا فِي حَدِيث سَمُرَة عِنْد أَحْمَد أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الضَّبّ. وَكَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ " وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُب , فَقَالَ لَهُ: أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ؟ " الْحَدِيث.
وَفِي حَدِيث أَنَس: كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقَامُ , فَيَعْرِضُ الرَّجُلُ فَيُحَدِّثُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى رُبَّمَا نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْم، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاة، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وُقُوعُ ذَلِكَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاة. (فتح - ج١ص٢٠٩)
(٤) فِيهِ مُرَاجَعَةُ الْعَالِمِ إِذَا لَمْ يَفْهَمْ مَا يُجِيبُ بِهِ حَتَّى يَتَّضِح، لِقَوْلِهِ " كَيْف إِضَاعَتهَا" (فتح - ج١ص٢٠٩)
(٥) أَيْ: أُسْنِدَ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْوِسَادَة، وَكَانَ مِنْ شَأنِ الْأَمِيرِ عِنْدَهُمْ إِذَا جَلَسَ أَنْ تُثْنَى تَحْتَهُ وِسَادَة. (فتح - ح٥٩)
(٦) الْمُرَاد مِنْ " الْأَمْر ": جِنْسُ الْأُمُورِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ , كَالْخِلَافَةِ , وَالْإِمَارَة وَالْقَضَاءِ , وَالْإِفْتَاءِ وَغَيْر ذَلِكَ. فتح الباري (ج١٨ص٣٣٣)
(٧) أَيْ: أَنَّ الْأَئِمَّةَ قَدْ اِئْتَمَنَهُمْ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ , وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ النَّصِيحَةَ لَهُمْ، فَيَنْبَغِي لَهُمْ تَوْلِيَةُ أَهْلِ الدِّينِ، فَإِذَا قَلَّدُوا غَيْرَ أَهْلِ الدِّينِ , فَقَدْ ضَيَّعُوا الْأَمَانَةَ الَّتِي قَلَّدَهُمْ اللهُ تَعَالَى إِيَّاهَا. فتح الباري (ج ١٨ / ص ٣٣٣)
وَإِسْنَادُ الْأَمْر إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْد غَلَبَةِ الْجَهْلِ , وَرَفْعِ الْعِلْم، وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَشْرَاط , وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلْمَ مَا دَامَ قَائِمًا , فَفِي الْأَمْرِ فُسْحَة , فَالْعِلْمُ إِنَّمَا يُؤْخَذُ عَنْ الْأَكَابِر. (فتح - ح٥٩)
(٨) (خ) (٥٩) , (حم) ٨٧١٤