ليس بصوتٍ ولا حرفٍ، وهذا هو مذهب الأشاعرةِ الذي يتكلَّمون به ويُقرِّرونه. ومذهب الكُلَّابيةِ والأشاعرةِ قريبان في المعنى (١).
ويشهد لقول المؤلف أنَّ الله:(كلَّم موسى بكلامه الذي هو صفةُ ذاته، لا خلقٌ من خلقه) ما روي عن مالك من قوله: «كلَّم اللَّه موسى ﵇». ويقول:«القرآن كلام اللَّه»(٢).
قوله:(وتجلَّى للجبل فصار دكًّا من جلاله):
أي: ظهرَ للجبلِ قدْرًا من التجلِّي بإشراقٍ ونورٍ (٣)، فجعله دكًّا؛ أي: ساخَ ولم يستقر، وقد قالَ اللهُ لموسى: ﴿لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣]، فلمَّا رأى موسى هذا المشهدَ العظيمَ؛ خرَّ موسى صَعِقًا، أي: صعقَ وغابَ عقلُه من هولِ المشهد، وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِين (١٤٣)﴾ [الأعراف]، فهو تعالى مُحتجبٌ بالنور الذي هو حجابُه، ويتجلَّى إذا شاءَ لمن شاء ولِما شاءَ، وتجلِّيه بكشف حجابِه؛ كما في حديث أبي موسى قال رسول الله ﷺ:«حِجَابُه النُّورُ لو كشفَه لأحرَقتْ سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه»(٤).
(١) ينظر اختلاف الناس في مسألة كلام الله واضطرابهم فيها في: منهاج السنة (٢/ ٣٥٨ - ٣٦٣)، (٥/ ٤١٦ - ٤٢٩)، ومجموع الفتاوى (١٢/ ١٦٢ - ١٧٣)، ومختصر الصواعق (٤/ ١٣٠٢ - ١٣١٦)، وتوضيح المقصود في نظم ابن أبي داود لشيخنا (ص ٣٥ - ٤٠). (٢) أخرجه بهذا اللفظ: صالح بن الإمام أحمد في «سيرة الإمام أحمد» (ص ٦٦). وينظر: الشريعة (١/ ٥٠١ رقم ١٦٥ - ١٦٦)، والإبانة الكبرى (٦/ ٣٨ رقم ٢٣٠). (٣) ينظر: لسان العرب (١٤/ ١٥١). (٤) أخرجه مسلم (١٧٩).