٩٣]، والآياتُ الدالَّةُ على تعلُّقِ المشيئةِ بالموجودات كثيرةٌ كما أُشيرَ إلى بعضِها، وقد تضمن كلام المؤلف: إثبات علم الله القديم بكل شيء، والإيمان بذلك هو المرتبة الأولى من الإيمان بالقدر، وقد روي عن الإمام مالك ما يُشبِه قول المؤلف في إثبات المشيئة، وهو قوله لرجلٍ: «سألتني أمس عن القدر؟ قال: نعم، قال: إن الله تعالى يقول: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين (١٣)﴾ [السجدة]. فلا بد أن يكون ما قال الله تعالى». روى ذلك أبو نعيم في الحلية عن ابن وهب (١)؛ قال سمعت مالك يقول: … إلى آخره (٢).
قوله:(فكلٌّ ميسَّرٌ بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقَدَره من شقيٍّ أو سعيدٍ):
يعني: المُكلَّفُون قد علمَ الله ما هم عاملون من طاعاتٍ ومعاصٍ، قد سبقَ علمه وكتابه بذلك، وقد سُئِلَ النبي ﵊: هل ما يعملُه الناس قد جفَّت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيما نستقبل؟ قال:«لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير» قيل: ففيم العمل؟ فقال: «اعملوا فكل ميَّسَر لما خُلق له، أمَّا من كان من أهل السعادة
(١) ابن وهب: عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي الفقيه المحدث، تفقه بمالك، والليث، وابن دينار، وغيرهم وصحب مالكًا عشرين سنة، له مؤلفات منها: «الجامع في الحديث»، و «أهوال القيامة» وغيرها، توفي سنة (١٩٧ هـ): ينظر: ترتيب المدارك (٣/ ٢٢٨)، والسير (٩/ ٢٢٣). (٢) حلية الأولياء (٦/ ٣٢٦).