وقوله:(ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم): يريد: أنَّ القرنَ الثاني بعد القرن الأول في الخيرية، والقرنُ الثالثُ بعد الثاني في الفضل والخيرية، ودليلُ هذا التفضيل والترتيب حديثان متفقٌ عليهما عن ابن مسعود، وعِمران بن حُصين، وفيهما قوله ﷺ:«خيرُكم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»(١)، وقال عمران في حديثه:«فلا أدري أذَكرَ بعد قَرنِه قَرنينِ أو ثلاثةً»، فالقرونُ المفضَّلةُ قطعًا ثلاثة، وتُعرَفُ هذه القرونُ عند أهل العلم بالقرون المفضَّلة، وهم ثلاثةُ أجيالٍ من الناس، والقرنُ في اصطلاح المؤرخين: مقدارٌ من الزمن، وهو مئةُ سنةٍ، وهذا هو الذي اشتهر في عُرف الناس، فالقرونُ المفضلة عندهم هي المئةُ الأولى والثانية والثالثة، وفي تاريخ الأمة؛ يقولون: المئة الرابعة والخامسة أو القرن الرابع والخامس، وفي وقتنا هذا؛ يقولون: القرن الخامس عشر ابتداءً من هجرة النبي ﷺ إلى المدينة، ولا يخفى أنَّ القرن في اصطلاح المؤرخين أطولُ من عمر الجيلِ الواحد (٢)، ولهذا انقرضَ معظمُ الصحابةِ في حدود الثمانين من الهجرة.
وقوله:(وأفضلُ الصحابةِ … ) إلى آخره: ودليلُ هذا التفضيل؛ ما ورد من الأحاديث في فضل الخلفاء الراشدين الأربعة إجمالًا؛ كقوله ﷺ:
(١) أخرجه البخاري (٢٦٥١)، ومسلم (٢٥٣٥ - ٢١٤) عن عمران، وعن ابن مسعود ﵄ بلفظ: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» عند البخاري (٢٦٥٢)، ومسلم (٢٥٣٥ - ٢١٢). (٢) ينظر الخلاف في تحديد مدة القرن في: مشارق الأنوار (٢/ ١٧٩)، ولسان العرب (١٣/ ٣٣٣ - ٣٣٤)، وفتح الباري (٧/ ٥).