في القبلة، فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه، فقام فحكه بيده، فقال:"إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه، أو إن ربه بينه وبين القبلة، فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدميه" ثم أخذ طرف ردائه، فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض، فقال:"أو يفعل هكذا".
وفي "صحيح مسلم"(١) من حديث أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء".
فهذه النصوص وغيرها تدل على عظمة الله ﷿، وأنه مع عباده محيط بهم، مطلع عليهم، لا تخفى منهم خافية، وهم في قبضته، قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: ٦٧]، وهو على عرشه - جل وعلا - كما أخبر.
قال حماد بن زيد:(يقرب من خلقه كما يشاء)(٢).
وقال أبو الحسن الأشعري -في أثناء ذكره لعقيدة أصحاب الحديث وأهل السنة -: (ويقرون أن الله سبحانه يجيء يوم القيامة، كما قال: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾، وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء، كما قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾)(٣).
وقال أبو الفرج ابن رجب: (ولم يكن أصحاب النبي ﷺ يفهمون من هذه النصوص غير المعنى الصحيح المراد بها، يستفيدون بذلك معرفة عظمة الله وجلاله، واطلاعه على عباده واحاطته بهم، وقربه من عابديه، وإجابته لدعائهم، فيزدادون به خشية لله وتعظيما وإجلالا ومهابة ومراقبة واستحياء، ويعبدونه كأنهم يرونه.