ولنا إِطلاقُ النهي المشهور عن الصيام في هذه الأَيام، وقولُ عمر لِمَنْ قال: إِنِّي تمتعتُ بالعُمرةِ إِلى الحَجِّ: اذْبَح شاةً، قال: ما معي شيءٌ؟ قال: سَلْ أَقارِبَكَ، قال: ما ههنا أَحدٌ منهم، فقال: يا مُغِيثُ أَعْطِهِ قيمةَ شاةٍ. ذَكَرَه في «المبسوط». ولو لَمْ يَقْدِر على الهَدْي تَحَلَّلَ (١) ، وعليه دَمَانِ: دَمٌ للقِرَان، ودَمٌ لِتَحَلُّلِهِ قَبْل الذَّبْحِ. هكذا قالوا، وفيه بَحْثٌ، إِذِ الترتيبُ واجبٌ عن من يقول به، وهو يسقط بالعُذْرِ. ولو لم يَدْخُلِ القارنُ مَكَّةَ ووقف بعرفةَ بعد الزوال، فعليه دَمُ جَبْرٍ لِرَفْضِ العمرةِ، سواءٌ نوى رَفْضَها أَمْ لا، وعليه قضاؤها، وبَطَل عنه دمُ القِران، لأَنه لما ارتفعتِ العُمرةُ لم يُوَفَّق بأَداء النُّسُكَيْنِ، فصارَ كالمُفْردِ لا دَمَ عليه.
(فصلٌ في التمتع)
(والتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنَ الإِفْرَادِ) لأَنَّ فيه جَمْعاً بين العبادتين، ودَماً للنُّسكِ كما في القِران، فيكون أَفْضَلَ مِنْ الإِفْرَادِ. وفي أَمْر النبيِّ صلى الله عليه وسلم المُحْرِمين بالحجِّ أَنْ يَتَحَلَّلُوا عنه ويَجْعلوه عمرةً إِشَارَةٌ إِلى أَنَّ التمتّعَ أَفْضَل مِنْ الإِفْراد. ورَوى الحسن عن أَبي حنيفة: أَنَّ الإِفرادَ أَفْضل مِنْ التمتُّعِ، لأَن المُتَمَتِّعَ وَقَعَ سَفَرُهُ للعمرة، بدليلِ أَنه بعد الفراغِ منها يصيرُ كالمكِّي في حقِّ الإِحرامِ، والحجّ فَرْض والعمرة سُنَّة، والسَّفَر (الواقع)(٢) للفَرْضِ أَعْلَى مِنْ السفر للسنّة. والظاهر أَنَّ الإِفراد إِنَّما يكونُ أَفْضل مِنْ التمتعِ، إِذَا أَتى بِعُمرةٍ مُفْرَدةٍ بعده، وإِلاَّ فلا شبهةَ أَنَّ العِبَادَتَيْنِ أَفضل مِنْ عبادةٍ واحدةٍ، ولِذا قال محمد: حَجَّةٌ كوفية، وعُمرةٌ كوفية أَفْضل عندي مِنْ القِرَان.