الله صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْتُ، قَالَتْ: فأَتينا بِلَحْمِ بقرٍ، فَقُلْتُ: ما هذا؟ فقال: أَهْدَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقرة، فلما كانَتْ ليلةُ الحَصْبَة (١) ، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ يَرْجِعُ الناسُ بِحَجَّةٍ وعُمْرَةٍ، وأَرجعُ بِحَجَّةٍ، فأَمَرَ عبدَ الرحمن بن أَبي بكر، فَأَرْدَفَنِي على جَمَلِهِ، قالت: فإِني لأَذكر وأَنَا جَارِيةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ أَنعس فيصيب وجهي مُؤْخِرَة الرحل (٢) ، حتى جِئْنَا إِلى التنعيم، فأَهْلَلْتُ منها بِعُمْرَةٍ جزاءً بعمرة الناس التي اعتمروا».
وفي قولها:«يَرْجِعُ الناسُ بِحَجَّةٍ وعُمرةٍ، وأَرجع بِحَجةٍ» دليلٌ وَاضِحٌ على أَنَّ الناس: إِمَّا كانوا قارنين، أَوْ متمتعين، لا مُفْرِدين كما عليه المحققون من المجتهدين. ولأَن أَداء الحج في عرفة ـ وهي (في)(٣) الحِلِّ ـ فيكونُ إِحْرَامُ المَكِيِّ بالحج مِنْ الحرم، لِيَتَحَقَّقَ له نوعٌ من السفر (بَتَبَدّل المكان، وأَداءَ العمرةِ في الحرم، فيكون إِحرام المكي بالعُمرة من الحِلِّ ليتحقق له نوعٌ من السفر)( ٣).
[(سنن وآداب الحج)]
(ومَنْ شَاءَ إِحْرَامَهُ بالحَجِّ تَوَضَّأَ) اسْتِحْبَابَاً (وغُسْلُهُ أَحَبُّ) بل سُنَّةٌ، لما في «سنن الترمذي» ـ وحَسَّنَهُ ـ عن خارجةَ بنِ زَيْد، عن أَبيهِ زَيْد بن ثابت، أَنه رأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لإِهلاله واغتسل، وفي رواية الدَّارَقُطْنِيّ:«اغتسل لإِحرامهِ»، والمراد بهذا الغُسْل تحصيلُ النظافة وإِزالة الرائحة لا قَصْدَ الطهارة، حتى تُؤْمَرُ به الحائض والنُّفَسَاء، لما روى ابن عباس أَنه صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ النُّفَسَاءَ والحائِضَ تَغْتَسِلُ وتُحْرِمُ، وتَقْضِي المناسِكَ كُلَّها غَيْرَ أَنْ لا تطوف بالبيتِ». رواه أَبو داود والترمذي
وفي «مُعْجَم الطبراني» عن عائشة: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا خَرَجَ إِلى مَكَّةَ اغْتَسَل حين يُرِيدُ أَنْ يُحْرِم ـ أَي بِحج أَوْ عمرة ـ. ولما روى الحاكم ـ وقال: صحيح الإِسناد ـ من حديث ابن عباس قال: اغتسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُم لَبِس ثيابَهُ ـ أَي الإِزَار والرداء ـ، فلما أَتى ذا الحُلَيْفَةَ صَلَّى رَكْعَتين، ثُم قصَد على بعيرِه، فلما استوى به على البَيْداء أَحْرَم ـ أَي جَدَّدَ إِحرامه ـ. فإِنَّ الصحيح أَنه صلى الله عليه وسلم عَقَّبَ صلاتَه بالإِحرام (٤) ، أَوْ المعنى:
(١) ليلة الحَصْبَة: هي التي بعد أيام التشريق. القاموس المحيط، ص ٩٥، مادة (حصب). (٢) مُؤخِرة الرَّحْل: هي الخشبة التي يستند إليها الراكب من كُور البعير. النهاية ١/ ٢٩. والكُور: الرحل بأداته. مختار الصحاح ص ٢٤٢، مادة (كور). (٣) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوعة. (٤) وعبارة المخطوطة: "أحرم عَقِيب صلاة الإِحرام" - أي سُنة الإِحرام -.