قَرَنَ الزكاة بالصلاة اقتداءً بكلام الله تعالى:{أَقِيمُوا الصلاةَ وآتُوا الزكاةَ}(١) ، ولولاه لعقَّب الصوم بها، لأَنهما عبادتان بدنيتان، ولذا قَدَّمَ الصوم على الحج لتوقف وجوبه على المال وغيره.
والحاصل: أَنَّ العبادة: إِمَّا بدنيةٌ كالصوم، (والصلاة)(٢) ، وإِمَّا ماليةٌ كالزكاة، وإِمَّا مركبةٌ منهما كالحج، ولهذا تأَخَّرَ وصار ركناً خامساً من أَركان الإِسلام التي أَصلُها التصديقُ والإِقرارُ بالشهادتين، ونزل فيه قولهُ تعالى:{اليومَ أَكْمَلْتُ لكم دِينَكُمْ}(٣) . ثم تركيبُ هذا البناء (٤) يَدُلُّ على النَّماء، يُقَالُ: زَكا الزرعُ إِذَا نَمَا، وسُمِّيَتْ بها، لأَنها سَبَبٌ نما بالعِوَضِ في الدنيا، والثواب في العُقْبى، قال تعالى:{وما أَنْفَقْتُم مِنْ شَيءٍ فَهُو يُخْلِفُه}(٥) ، أَوْ على الطهارةِ، ومنه قوله تعالى:{وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وزكاةً}(٦) ، أَيّ طهارة، وفيها معنى التطهير، قال تعالى:{خُذْ من أَمْوَالِهِم صَدَقةً تُطَهِّرُهُم وتُزَكِّيهم بها}(٧) ، وسمّيت بها لأنها تُطَهِّرُ صاحبَها من الذنوب، أَوْ من رذيلة البُخْل الذي هو من أَكبرِ العيوب. وسُمِّيَتْ صدقةً لِدلالَتِها على صِدْق العبدِ في العُبوديَّة، وامتثاله لِحَقِّ الرّبوبية. وقوله:{تُزَكِّيهم} أَي تُثْنِي عليهم.
وفي الشرع: عبارةٌ عن تمليك جُزْءٍ من النصاب الحَوْلي للفقير ومَنْ بمعناه، لأَنها توصف بالوجوب. وقيل: هي اسم للقَدْرِ الذي يُخْرَج للفقير، لقوله تعالى:{وآتُوا الزكاةَ}، ومعلوم أَنَّ مُتَعَلَّقَ الإِيتاءِ وهو المالُ، لأَنَّ الإِيتاء بدونه من المَحَال. والله سبحانه وتعالى أَعلم بالأَحوال.
(١) سورة البقرة، الآية: (٤٣). (٢) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع. (٣) سورة المائدة، الآية: (٣). (٤) أي لفظ الزكاة. (٥) سورة سبأْ، الآية: (٣٩). (٦) سورة مريم، الآية: (١٣). (٧) سورة التوبة، الآية: (١٠٣).