بِـ وَتَتِمُّ بِالْقَبْضِ في مَجْلِسِهَا، وَلَوْ بِلَا إذْنٍ. وَبَعْدَهُ بِإذْنٍ
===
كتابُ الهِبَةِ
(هِيَ) لغةً: مصدرٌ محذوف الأول معوَّض عنه هاء التأنيث، وأصله وَهَب، كالعِدَةِ والوَعْد. ومعناها: إيصال ما ينفع، مالاً كان أو غيره. قال الله تعالى:{وَهَبْ لَنَا من لَدُنْكَ رحمةً}(١) ، {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلياً}(٢) .
وشرعاً:(تَمْلِيكُ عَيْنٍ) فخرج الإعارة والإجارة لأنها تمليك منفعة (بِلَا عِوَضٍ) فخرج البيع لأنّه تمليك عين بعوضٍ.
ودليل مشروعيتها قوله تعالى:{فَإنْ طِبْنَ لَكَمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً}(٣) أباح الأكل بالوصف الحميد. وما روى البخاري في «صحيحه» من حديث أبي هريرة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لو دعيت إلى ذراعٍ أو كُرَاعٍ لأجبت، ولو أُهْدِيَ إليّ ذراعٌ أو كُرَاعٌ لقبلت». وذراع اليد معروفٌ، والكُراع بالضم: مستدق السّاق من البقر والغنم. وما روى مالك في «الموطأ» مرسلاً عن عطاء بن عبد الله الخُرَاسَانِيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصافحوا يذهب الغِلُّ، وتهادوا تحابُّوا وتذهب الشحناء». والغِلُّ بالكسر: الغِش والحسد والحقد. والشحناء: العداوة.
(وَتَصِحُّ) الهبة (بـ: وَهَبْتُ وَنَحَلْتُ وَنَحْوِهِمَا) مِنْ: أعطيتك، وأطعمتك هذا الطعام، وأعْمَرْتُك هذا الشيء، وجعلته لك عُمْرَى (٤) . وذلك لأنّ النُّحْل والعطية يستعملان في التّمليك بغير عِوَضٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أكلَّ ولدك نَحَلْته مثل هذا»؟ قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فارجعه». رواه الستة عن النُّعْمَان بن بشير. وروى الجماعة إلاّ البخاري:«مَنْ أَعْمَرَ رجلاً عُمرَى فهي له ولعَقِبِهِ». فقد قطع قوله حقّه فيها:«وهي لمَنْ أَعْمَرَ ولعَقِبِهِ».
(وَتَتِمُّ بِالْقَبْضِ في مَجْلِسِهَا وَلَوْ بِلَا إذْنٍ) استحساناً، (وَ) بالقبض (بَعْدَهُ) أي بعد مجلسها (بِإذْنٍ). وقال مالك: يثبت الملك قبل القبض بمجرد الإيجاب والقبول،
(١) سورة آل عمران، الآية: (٨). (٢) سورة مريم، الآية: (٥). (٣) سورة النساء، الآية: (٤). (٤) العُمْرَى: أعْمَرْتُه الدار عمرى: أي جعلتها له يسكنها مدة عمره، فإذا مات عادت إليّ، وكذا كانوا يفعلون في الجاهلية، فأَبطل ذلك وأَعلمهم أَن مَنْ أُعْمِرَ شيئًا في حياته فهو لورثته من بعده. النهاية ٣/ ٢٩٨.