وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} (١)، فَقَدْ قِيلَ فِي الضَّمِيرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ عُمُرِهِ} أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ، أَيْ: وَنِصْفُ دِرْهَمٍ آخَرَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِ مُعَمَّرٍ آخَرَ، وَقِيلَ: الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي الصُّحُفِ الَّتِي فِي أَيْدِي الْمَلَائِكَةِ، وَحُمِلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (٢)، عَلَى أَنَّ الْمَحْوَ وَالْإِثْبَاتَ مِنَ الصُّحُفِ الَّتِي فِي أَيْدِي الْمَلَائِكَةِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}. اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}، ثُمَّ قَالَ: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}، أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ، {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، أَيْ: أَصْلُهُ، وَهُوَ
اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَقِيلَ: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الشَّرَائِعِ وَيَنْسَخُهُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يَنْسَخُهُ، وَالسِّيَاقُ أَدَلُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}. فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَأْتِي بِالْآيَاتِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} (٣)، أَيْ: إِنَّ الشَّرَائِعَ لَهَا أَجَلٌ وَغَايَةٌ تَنْتَهِي إِلَيْهَا، ثُمَّ تُنْسَخُ بِالشَّرِيعَةِ الْأُخْرَى، فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الشَّرَائِعِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ. وَفِي الْآيَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ).
(١) سورة فَاطِرٍ آية ١١.(٢) سورة الرَّعْدِ الآيتان ٣٨ - ٣٩.(٣) سورة الرَّعْدِ الآيتان ٣٨ - ٣٩
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute