الْمُحَالِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَأْتِيَ مُدَّعٍ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَلَا يُظْهِرُ إِمَارَةَ كَذِبِهِ فِي دَعْوَاهُ. وَالْغَيُّ: ضِدُّ الرَّشَادِ. وَالْهَوَى: عِبَارَةٌ عَنْ شَهْوَةِ النَّفْسِ. أَيْ: أَنَّ تِلْكَ الدَّعْوَى بِسَبَبِ هَوَى النَّفْسِ، لَا عَنْ دَلِيلٍ، فَتَكُونُ بَاطِلَةً.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَبْعُوثُ إِلَى عَامَّةِ الْجِنِّ وَكَافَّةِ الْوَرَى، بِالْحَقِّ وَالْهُدَى، وَبِالنُّورِ وَالضِّيَاءِ).
ش: أَمَّا كَوْنُهُ مَبْعُوثًا إِلَى عَامَّةِ الْجِنِّ، فَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ الْجِنِّ: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} (١) وَكَذَا سُورَةُ الْجِنِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا. قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ رَسُولًا إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ قَبْلَهُ. وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ. فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} (٢)، وَالرُّسُلُ مِنَ الْإِنْسِ فَقَطْ، وَلَيْسَ مِنَ الْجِنِّ رَسُولٌ، كَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الرُّسُلُ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَمِنَ الْجِنِّ نُذُرٌ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْجِنِّ: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} (٣) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوسَى مُرْسَلٌ إِلَيْهِمْ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ: أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ فِي الْجِنِّ رُسُلًا، وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ وَلَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ، وَهِيَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - كَقَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} (٤) وَالْمُرَادُ: مِنْ أَحَدِهِمَا.
وَأَمَّا كَوْنُهُ مَبْعُوثًا إِلَى كَافَّةِ الْوَرَى، فَقَدْ قَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (٥) وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ}
(١) سورة الْأَحْقَافِ آية ٣١.(٢) سورة الْأَنْعَامِ آية ١٣٠.(٣) سورة الْأَحْقَافِ آية ٣٠.(٤) سورة الرَّحْمَنِ آية ٢٢.(٥) سورة سَبَإٍ آية ٢٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute