الْجُمْهُورِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَهُوَ كَذِبٌ لِمَصْلَحَةِ الْجُمْهُورِ!! وَقَدْ وَضَعَ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ قَانُونَهُمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ.
وَأَمَّا أَهْلُ التَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ، فَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يَقْصِدُوا بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا هُوَ الْحَقُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّ الْحَقَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ مَا عَلِمْنَاهُ بِعُقُولِنَا! ثُمَّ يَجْتَهِدُونَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ إِلَى مَا يُوَافِقُ رَأْيَهُمْ بِأَنْوَاعِ التَّأْوِيلَاتِ!! وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ لَا يَجْزِمُونَ بِالتَّأْوِيلِ، بَلْ يَقُولُونَ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ كَذَا. وَغَايَةُ مَا مَعَهُمْ إِمْكَانُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ.
وَأَمَّا أَهْلُ التَّجْهِيلِ وَالتَّضْلِيلِ، الَّذِينَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَأَتْبَاعَ الْأَنْبِيَاءِ جَاهِلُونَ ضَالُّونَ، لَا يَعْرِفُونَ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْآيَاتِ وَأَقْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ! وَيَقُولُونَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّصِّ تَأْوِيلٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، لَا يَعْلَمُهُ جَبْرَائِيلُ وَلَا مُحَمَّدٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَضْلًا عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (١). {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (٢). {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (٣). وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعَانِيَ هَذِهِ الْآيَاتِ! بَلْ مَعْنَاهَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى!! وَيَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ السَّلَفِ!!.
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْمُرَادَ [بِهَا] (٤) خِلَافُ مَدْلُولِهَا الظَّاهِرِ الْمَفْهُومِ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ، كَمَا لَا يُعْلَمُ وَقْتُ السَّاعَةِ! وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ تُجْرَى عَلَى ظَاهِرِهَا وَتُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا!! وَمَعَ هَذَا، فَلَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهَا إِلَّا اللَّهُ، فَيَتَنَاقَضُونَ حَيْثُ أَثْبَتُوا لَهَا تَأْوِيلًا يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا، وَقَالُوا مَعَ هَذَا: إِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا!!
(١) طه: ٥(٢) فَاطِرٍ: ١٠(٣) ص: ٧٥(٤) في الأصل: (بهذا). والتصويب من درء تعارض العقل والنقل ١/ ١٦. ن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute