مَنِ اسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَوَائِلِ: الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ، فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا كُتُبَهُمْ، فَصَارَ عِنْدَهُمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ مَا أَدْخَلُوهُ فِي مَسَائِلِهِمْ وَدَلَائِلِهِمْ، وَغَيَّرُوهُ فِي اللَّفْظِ تَارَةً، وَفِي الْمَعْنَى أُخْرَى! فَلَبَّسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَكَتَمُوا حَقًّا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُمْ، فَتَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا وَتَكَلَّمُوا حِينَئِذٍ فِي الْجِسْمِ وَالْعَرَضِ وَالتَّجْسِيمِ، نَفْيًا وَإِثْبَاتًا.
وَسَبَبُ ضَلَالِ هَذِهِ الْفِرَقِ وَأَمْثَالِهِمْ عُدُولُهُمْ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِاتِّبَاعِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (١). وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (٢). فَوَحَّدَ لَفْظَ " صِرَاطِهِ " وَ " سَبِيلِهِ "، وَجَمَعَ " السُّبُلَ " الْمُخَالِفَةَ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، وَقَالَ: " هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ "، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَقَالَ: " هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ "، ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}» (٣).
وَمِنْ هَاهُنَا يُعْلَمُ أَنَّ اضْطِرَارَ الْعَبْدِ إِلَى سُؤَالِ هِدَايَةِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ، وَلِهَذَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّلَاةِ قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، إِمَّا فَرْضًا أَوِ إِيجَابًا، عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، لِاحْتِيَاجِ الْعَبْدِ إِلَى هَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ الْقَدْرِ، الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَشْرَفِ الْمَطَالِبِ وَأَجَلِّهَا. فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ
(١) الْأَنْعَامِ: ١٥٣(٢) يُوسُفَ: ١٠٨(٣) الْأَنْعَامِ: ١٥٣
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute