وَغَلَبَ قَضَاؤُهُ الْحِيَلَ كُلَّهَا. يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ أَبَدًا. لَا يُسْأَلُ عَمَّا يفعل وهم يسألون).
ش: فَقَوْلُهُ: "لَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا مَا يُطِيقُونَ"- قَالَ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (١). {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (٢).
وَعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ جَائِزٌ عَقْلًا، ثُمَّ تَرَدَّدَ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ: هَلْ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ أَمْ لَا؟ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِوُرُودِهِ بِأَمْرِ أَبِي لَهَبٍ بِالْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، وَأَنَّهُ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، فَكَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ. وَهَذَا تَكْلِيفٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَهُوَ مُحَالٌ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هذا بالمنع: فلا نسلم بأنه مَأْمُورٌ [بِأَنْ يُؤْمِنَ] بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي بِهَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِيمَانِ كَانَتْ حَاصِلَةً، فَهُوَ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ تَحْصِيلِ الْإِيمَانِ، فَمَا كُلِّفَ إِلَّا مَا يُطِيقُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ. وَلَا يَلْزَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ} (٣). مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ، وَلَا لِلْمُصَوِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ""أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ»، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ - لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَكْلِيفِ طَلَبِ فِعْلٍ يُثَابُ فَاعِلُهُ وَيُعَاقَبُ تَارِكُهُ، بَلْ هُوَ خِطَابُ تَعْجِيزٍ.
وَكَذَا لَا يَلْزَمُ دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (٤) لِأَنَّ تَحْمِيلَ مَا لَا يُطَاقُ لَيْسَ تَكْلِيفًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُحَمِّلَهُ جَبَلًا لَا يُطِيقُهُ فَيَمُوتَ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: أَيْ لَا تُحَمِّلْنَا مَا يَثْقُلُ عَلَيْنَا أَدَاؤُهُ وَإِنْ كُنَّا مُطِيقِينَ لَهُ عَلَى تَجَشُّمٍ وَتَحَمُّلٍ مَكْرُوهٍ، قَالَ: فَخَاطَبَ الْعَرَبَ عَلَى حَسَبِ مَا تَعْقِلُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَقُولُ لِلرَّجُلِ يُبْغِضُهُ: مَا أُطِيقُ النَّظَرَ إليه، وهو مطيق لذلك، لكنه يثقل عليه.
(١) البقرة ٢٨٦(٢) الأنعام ١٥٢(٣) البقرة ٣١(٤) البقرة ٢٨٦
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute