وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهَا نَفْسٌ وَاحِدَة، لَهَا صِفَاتٌ، فَهِيَ أَمَّارَة بِالسُّوءِ، فَإِذَا عَارَضَهَا الْإِيمَانُ صَارَتْ لَوَّامَة، تَفْعَلُ الذَّنْبَ ثُمَّ تَلُومُ صَاحِبَهَا، وَتَلُومُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، فَإِذَا قَوِي الْإِيمَانُ صَارَتْ مُطْمَئِنَّة. وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّتْه حَسَنَتُه وَسَاءَتْه سَيِّئَتُه فَهُوَ مُؤْمِنٌ». وقوله: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»، الْحَدِيثَ.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ تَمُوتُ الرُّوحُ أَمْ لَا؟ فَقَالَتْ طَائِفَة: تَمُوتُ؛ لِأَنَّهَا نَفْسٌ، وَكُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَة الْمَوْتِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (١). وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (٢). قَالُوا: وَإِذَا كَانَتِ الْمَلَائِكَة تَمُوتُ، فَالنُّفُوسُ الْبَشَرِيَّة أَوْلَى بِالْمَوْتِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا تَمُوتُ الْأَرْوَاحُ، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ لِلْبَقَاءِ، وَإِنَّمَا تَمُوتُ الْأَبْدَانُ. قَالُوا: وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّة عَلَى نَعِيمِ الْأَرْوَاحِ وَعَذَابِهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَة إِلَى أَنْ يُرْجِعَهَا اللَّهُ فِي أَجْسَادِهَا.
وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَوْتُ النُّفُوسِ هُوَ مُفَارَقَتُهَا لِأَجْسَادِهَا وَخُرُوجُهَا مِنْهَا، فَإِنْ أُرِيدَ بِمَوْتِهَا هَذَا الْقَدْرُ، فَهِيَ ذَائِقَة الْمَوْتِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهَا تُعْدَمُ وَتَفْنَى بِالْكُلِّيَّة، فَهِيَ لَا تَمُوتُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، بَلْ هِيَ بَاقِيَة بَعْدَ خَلْقِهَا فِي نَعِيمٍ أَوْ فِي عَذَابٍ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّة {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} (٣)، وَتِلْكَ الْمَوْتَة هي مُفَارَقَة الأرُّواحِ لِلْأجَسَادِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَهْلِ النَّارِ: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} (٤)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} (٥) - فَالْمُرَادُ: أَنَّهُمْ كَانُوا أَمْوَاتًا وَهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وفي
(١) سورة الرَّحْمَنِ الآيتان ٢٦ - ٢٧(٢) سورة الْقَصَصِ آية ٨٨(٣) سورة الدُّخَانِ آية ٥٦(٤) سورة غَافِرٍ آية ١١(٥) سورة الْبَقَرَة آية ٢٨
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute