{أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} (١) فَكَانَ عُبَّادُ الْعِجْلِ - مَعَ كُفْرِهِمْ - أَعْرَفَ بِاللَّهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا لِمُوسَى: وَرَبُّكَ لَا يَتَكَلَّمُ أَيْضًا. وَقَالَ تَعَالَى عَنِ الْعِجْلِ أَيْضًا: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} (٢) فَعُلِمَ أَنَّ نَفْيَ رُجُوعِ الْقَوْلِ وَنَفْيَ التَّكَلُّمِ نَقْصٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَمِ أُلُوهِيَّةِ الْعِجْلِ.
وَغَايَةُ شُبْهَتِهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: يَلْزَمُ مِنْهُ التَّشْبِيهُ وَالتَّجْسِيمُ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ: إِذَا قُلْنَا أَنَّهُ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ انْتَفَتْ شُبْهَتُهُمْ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} (٣) فَنَحْنُ نُؤْمِنُ أَنَّهَا تَتَكَلَّمُ، وَلَا نَعْلَمُ كَيْفَ تَتَكَلَّمُ. وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (٤) وَكَذَلِكَ تَسْبِيحُ الْحَصَا وَالطَّعَامِ، وَسَلَامُ الْحَجَرِ، كُلُّ ذَلِكَ بِلَا فَمٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الصَّوْتُ الصَّاعِدُ مِنَ الرِّئَةِ، الْمُعْتَمِدُ عَلَى مَقَاطِعِ الْحُرُوفِ.
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْهُ بَدَا بِلَا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا)، أَيْ: ظَهَرَ مِنْهُ وَلَا نَدْرِي كَيْفِيَّةَ تَكَلُّمِهِ بِهِ. وَأَكَّدَ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ (قَوْلًا)، أَتَى بِالْمَصْدَرِ الْمُعَرِّفِ لِلْحَقِيقَةِ، كَمَا أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى التَّكْلِيمَ بِالْمَصْدَرِ الْمُثْبِتِ النَّافِي لِلْمَجَازِ فِي قَوْلِهِ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (٥) فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ؟!
وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ - أَحَدِ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ: أُرِيدُ أَنْ تَقْرَأَ: وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى، بِنَصْبِ اسْمِ اللَّهِ، لِيَكُونَ مُوسَى هُوَ الْمُتَكَلِّمَ لَا اللَّهُ! فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: هَبْ أَنِّي قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ كَذَا، فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ
(١) سورة الْأَعْرَافِ آية ١٤٨.(٢) سورة طَه آية ٨٩.(٣) سورة يس آية ٦٥.(٤) سورة فُصِّلَتْ آية ٢١.(٥) سورة النِّسَاءِ آية ١٦٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute