يقول الحق جلّ جلاله: فَارْتَقِبْ فانتظر يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ، قال عليّ وابن عباس وابن عمر والحسن- رضي الله عنهم-: هو دخان يجيء قبل يوم القيامة، يُصيب المؤمن منه مثل الزكام، ويُنضج رؤوسَ المنافقين والكافرين، حتى تكون كأنها مصليَّة حنيذة «١» ، وتكون الأرض كلها كبيت أُوقد فيه نار، ليس فيه خِصاص «٢» ، ويؤيد هذا حديث حذيفة:«أول الآيات الدخان، ونزول عيسى، ونار تخرج من عدن، تسوق النّاس إلى المحشر، تقيل معهم إذا قالوا ... » الحديث «٣» ، انظر الثعلبي.
وأنكر هذا ابن مسعود، وقال: هذا الدخان قد رأته قريش حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف، فكان الرجل يرى من الجوع دخاناً بينه وبين السماء «٤» . ويؤيده ما يأتي بعده. وقوله مُبِينٍ أي: ظاهر لا يشك أحد أنه دخان، يَغْشَى النَّاسَ أي: يحيط بهم، حتى كان الرجلُ يُحدّث الرجلَ، ويسمع كلامه، ولا يراه من الدخان، أي: انتظر يوم شدة ومجاعة فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان، إما لضعف بصره، أو لأن عام القحط يُظلِم الهواء لقلة الأمطار، أو كثرة الغبار، هذا عَذابٌ أَلِيمٌ أي: قائلين هذا عذاب أليم.
ولما اشتد بهم القحط، مشى أبو سفيان، ونفر معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الله- تعالى- والرحم، وواعدوه إن دعا لهم، وكشف عنهم، أن يؤمنوا، وذلك قوله تعالى: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أي: سنؤمن إن
(١) المصليّة والحنيذة: المشوية. (٢) الخصاص: الفرج والخرق فى البناء أو الباب ونحوه، راجع اللسان (خصص ٢/ ١١٧٣) والخبر أخرجه الطبري (٢٥/ ١١٣) . (٣) أخرجه البغوي فى تفسيره (٧/ ٢٣٠) من حديث حذيفة بن اليمان، وأخرجه الطبري (٢٥/ ١١٤) بذكر كلمة (الدجال) بدل (الدخان) . (٤) معنى ما أخرجه البخاري فى (التفسير، سورة حم الدخان، باب أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ح ٤٨٢٣) ومسلم (فى صفات المنافقين، باب الدخان ح ٢٧٩٨) (٣٩) . ولفظه كما عند البخاري: قال عبد الله: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشا كذبوه واستعصوا عليه، فقال: اللهم أعنى عليه بسبع كسبع يوسف. فأصابهم سنة حصت كلّ شىء، حتى كانوا يأكلون الميتة وكان يقوم أحدهم، فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان، من الجهد والجوع. ثم قرأ: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ حتى بلغ: إِنَّكُمْ عائِدُونَ قال عبد الله: أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ قال: والبطشة الكبرى يوم بدر» .