الثالث: أن إجازته جر غير هذين النوعين "بمن"١ ليس على إطلاقه, بل يستثنى من ذلك ما كان "منقولا"٢ من الفعل نحو: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} ٣, "فلا يجوز جره بمن"٤.
قلت:
أما الأول فلا يرد؛ لأن تمييز العدد متى جمع لم يبق تمييزا اصطلاحيا، فإن شرطه الإفراد.
وأما الثاني فهو على إطلاقه، ولا نسلم صحة استثناء الشارح٥؛ لأن التمييز في نحو:"لله دره فارسًا" و"نعم المرء من رجل تهامي" تمييز مفرد لا تمييز جملة, "والمنقول عن الفاعل لا يكون إلا تمييز جملة"٦.
ويلزم الشارح جواز الجر بمن في نحو:"زيد أحسن "به"٧ وجهًا"؛ لأنه في تعجب, وقد نص غير المصنف على منعه.
وأما الثالث فالظاهر وروده، ولا يقال: لعل المصنف ممن لا يثبت المنقول "عن"٨ المفعول كالشلوبين، فإن المصنف أثبته في شرح التسهيل٩.
١ أ، جـ. ٢ أ، ب, وفي جـ "مفعولا". ٣ من الآية ١٢ من سورة القمر. نسبة فجرنا إلى الأرض مبهمة, وعيونا مبين لذلك الإبهام، والأصل: فجرنا عيون الأرض. ٤ أ، جـ. ٥ قال الشارح ص١٤٥: "يجوز في كل ما ينصب على التمييز أن يجر بمِنْ ظاهرة إلا تمييز العدد والفاعل في المعنى، أما تمييز العدد نحو: "أحد عشر رجلا" فلا يجوز جره بمن في شيء منه. وأما الفاعل في المعنى نحو: "طاب زيد نفسا" و"هو حسن وجها" فلا يجوز جره بمن إلا في تعجب أو شبهه, تقول: "لله دره من فارس"". ٦ أ، جـ. ٧ ب. ٨ أ، جـ, وفي ب "من". ٩ الذي أثبت المنقول من المفعول ابن عصفور وابن مالك. قال السيوطي في الهمع، جـ١ ص٢٥١: "وتارة من المفعول نحو: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} ، والأصل: وفجرنا عيون الأرض، هذا مذهب المتأخرين, وبه قال ابن عصفور وابن مالك. وقال الآمدي: هذا القسم لم يذكره النحويون، وإنما الثابت كونه منقولا من الفاعل أو المفعول الذي لم يسم فاعله. وقال الشلوبين: عيونا في الآية نصب على الحال المقدرة لا التمييز، ولم يثبت كون التمييز منقولا من المفعول، فينبغي ألا يقال به....".