فأخذ شاة، فقلت له: انفض الضّرع من الشّعر والتّراب والقذى، فحلب لي في قعب معه- أي: قدح- كثبة «١» من لبن، قال: ومعي إداوة «٢» أرتوي فيها للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، ليشرب منها ويتوضّأ، قال: فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكرهت أن أوقظه من نومه، فوقفت حتّى استيقظ. - وفي رواية: فوافقته حين استيقظ- فصببت على اللّبن من الماء حتّى برد أسفله، فقلت يا رسول الله: اشرب من هذا اللّبن، فشرب حتّى رضيت، ثمّ قال:«ألم يأن للرّحيل؟» ، قلت: بلى، قال:
فارتحلنا بعد ما زالت الشّمس، فاتّبعنا سراقة بن مالك، ونحن في جلد من الأرض/- أي: موضع صلب- فقلت: يا رسول الله أتينا، فقال:«لا تحزن إنّ الله معنا» ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فارتطمت فرسه إلى بطنها «٣» ، فقال: إنّي قد علمت أنّكما قد دعوتما عليّ، فادعوا لي، فالله لكما أن أردّ عنكما الطّلب، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فنجا، فجعل لا يلقى أحدا إلّا قال: قد كفيتكم ما هاهنا، ولا يلقى أحدا إلّا ردّه، فوفّى لنا «٤» .
[وصول النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى قباء]
فأقام صلى الله عليه وسلم ب (قباء) ، ثمّ دخل (المدينة) يوم الاثنين أيضا «٥» .
[دخول النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، ودعوة الأنصار له بالنّزول عندهم]
قال أبو بكر رضي الله عنه: فقدمنا (المدينة) ليلا، فتنازعوا على أيّهم ينزل عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: «أنزل على بني النّجار، أخوال
(١) الكثبة: هي قدر حلبة خفيفة. (٢) الإداوة: إناء صغير من جلد. (٣) أي: غاصت قوائمها في تلك الأرض الجلد. (أنصاريّ) . (٤) أخرجه البخاريّ، برقم (٣٤١٩) . (٥) قلت: لقد كان دخول النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى قباء يوم الاثنين، أمّا وصوله إلى المدينة فكان يوم الجمعة. وسيأتي ذلك فيما بعد ص ٢٥٣.