فإن حياة الحرّ غير شهية ... إليه وطعم الموت غير كريه
أقول لنفسي الدنية: هبّي طال نومك، واستيقظي لا عزّ قومك. أرضيت بالعطاء المنزور، وقنعت بالمواعيد الزور؟! يقظة فإن الجد قد هجع، ونجعة فمن أجدب انتجع، أعجزت في الإباء، عن خلق الحرباء؟ أدلى [١] لسانا كالرشاء، وتسنّم أعلى السماء. ناط همته بالشمس، مع بعدها عن اللمس، [أنف من] ضيق الوجار، ففرّخ في الأشجار، فهو كالخطيب، على الغصن الرطيب:
وإن صريح الرأي والحزم لامرىء ... إذا بلغته الشمس أن يتحولا [٢]
وقد أصحب عبده هذه الأسطر شعرا يقصّر فيه عن واجب الحمد، وإن بنيت قافيته على المدّ، وما يعدّ نفسه إلا كمهدي جلد السبنتى الأنمر [٣] إلى الديباج الأحمر: أين درّ الحباب، من ثغور الأحباب؟ وأين الشراب، من السراب، والركي البكي من الواد، ذي المواد؟ أتطلب الفصاحة من الغتم، والصباحة من العتم؟ غلط من رأى الآل في القيّ [٤] ، فشبّهه بهلهال الدبيقي، هيهات مناسج الرياط، تسبق تنيس ودمياط، ولا أقول إلا كما قال القائل:
من يساجلني يساجل ماجدا ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب [٥]
بل أضع نفسي في أقل المواضع، وأقول لمولاي قول الخاضع: فأسبل عليها ستر معروفك المواتي، الذي سترت به قدما عوراتي [٦] :
فيك برّحت بالعذول إباء ... وعصيت اللوّام والنصحاء
فانثنى العاذلون أخيب منّي ... يوم أزمعتم الرحيل رجاء
[١] م: ولي. [٢] البيت لأبي تمام، ديوانه ٣: ١٠٦. [٣] م: القسيّ الأسمر. [٤] القي: الأرض القفر. [٥] البيت للفضل بن العباس اللهبي في الأغاني ١٦: ١٢١. [٦] جاء هذا في الوافي شعرا كما يلي: فأسبل عليها ستر معروفك الذي ... سترت به قدما على عوراتي